No Script

واشنطن وموسكو... علاقات الحب والكراهية معاً!

تصغير
تكبير
يشهد العالم في هذه الفترة تحرّكاً كبيراً مشتركاً بين موسكو وواشنطن في الملفّ السوري من جهة، وبين واشنطن وبكين في ملفّ كوريا الشمالية، من جهةٍ أخرى.

وقد وصل هذان التحرّكان إلى درجة من النشاط بحيث صدر عن مجلس الأمن قرار بالإجماع يفرض مزيداً من العقوبات على كوريا الشمالية، وبالإعلان عن تفاهمات روسية - أميركية جديدة في شأن مناطق خفض التصعيد في سورية، وعن وجود توافق أميركي - روسي حول ضرورة وضع تسوية سياسية للأزمة السورية المشتعلة منذ أكثر من ست سنوات.


لم يكن الأمر هكذا في الأشهر والسنوات القليلة الماضية. فالتباين في المواقف بين موسكو وبكين من جهة، وبين واشنطن والاتّحاد الأوروبي من جهةٍ أخرى، كان في السابق قد بلغ درجة كبيرة من السخونة، خصوصاً في الموقف من أوكرانيا وتطوّرات الأوضاع السورية. وقد لمس «حلف الناتو» جدّية الموقفين الروسي والصيني، و«الخطوط الحمراء» التي وضعتها موسكو وبكين في كلٍّ من سورية وكوريا الشمالية.

لقد أدركت الولايات المتحدة، وخلفها الحليف الأوروبي، مخاطر التأزّم في العلاقات مع موسكو وبكين في هذه المرحلة، حيث توجد أيضاً رغبة كبيرة لدى إدارة الرئيس دونالد ترامب بإقامة علاقات طيّبة مع روسيا الاتّحادية، رغم التحقيقات القانونية والتشريعية الجارية في واشنطن في شأن الدور الروسي في الانتخابات الأميركية الأخيرة، ورغم أيضاً قانون العقوبات الذي أصدره الكونغرس بغالبية كبيرة ضدّ روسيا وإيران وكوريا الشمالية.

لكن السياسة الروسية «البوتينية»، المستمرّة عملياً منذ العام 2007، لم تكن ساعيةً بالضرورة إلى عودة أجواء «الحرب الباردة»، ولا أيضاً إلى سباق التسلّح والحروب غير المباشرة بين موسكو وواشنطن، بل كان هدف روسيا في السنوات الماضية، ومن خلال السير بخطًى ثابتة ولو بطيئة، هو استعادة بعض مواقع النفوذ التي فقدتها عقب سقوط الاتّحاد السوفياتي. وها هي الآن، موسكو غير الشيوعية، تعود إلى العالم دولةً كبرى، قادرةً على المنح والمنع معاً!.

لذلك، لم تكن الأزمات المتكرّرة بين البلدين بحربٍ باردة جديدة بين قطبين دوليين متنافرين أيديولوجياً، كما كان الأمر في القرن الماضي. فأولويّات روسيا وأميركا الآن هي مصالحهما المباشرة، وعدم رغبتهما (إن لم نقل عدم قدرتهما) على استنزاف متبادل يضرّ، في حال تصعيد الخلافات بالمواقف بينهما، بهما معاً.

وتتصرّف موسكو حالياً مع إدارة ترامب بأنّها أكثر تفهّماً للموقف الروسي، وبأمل أن يواصل الرئيس ترامب السياسات التي أعلنها خلال الحملة الانتخابية في العام الماضي، لجهة تحسين العلاقات وإلغاء العقوبات الأميركية والأوروبية على روسيا. لذلك أيضاً، وجدنا أنّ الطرفين كانا حريصين في الفترة الماضية على إبقاء الخلافات بينهما مضبوطةً بسقفٍ محدّد، وبالتأكيد على مواصلة التشاور بينهما، وعلى عدم دفع الخلافات بينهما إلى حائطٍ مسدود.

إنّ لائحة القضايا المختلَف عليها بين موسكو من جهة، وواشنطن و«الناتو» من جهةٍ أخرى، هي بلا شك لائحة كبيرة، لكنّ موسكو تدرك أيضاً حاجة واشنطن و«حلف الناتو» للتنسيق معها في القضية الأفغانية، وفي الملفّ السوري، وفي الموقف من كوريا الشمالية.

إنّ روسيا، بغضّ النظر عن نظام الحكم فيها، لا يمكن لها أن تكون منعزلةً أو محصورةً فقط في حدودها. هكذا كانت روسيا القيصرية وروسيا الشيوعية، وهكذا هي الآن روسيا «البوتينيّة».

ولقد تميّزت خلاصات العقد الأول من القرن الجديد بتباين واضح بين حالة روسيا وبين الحال الأميركي. فبينما كانت روسيا تشهد نموّاً اقتصادياً متصاعداً، كان الاقتصاد الأميركي يشهد العديد من ظواهر الكساد والأزمات المالية والاقتصادية والتي تفجّرت بشكلٍ واسع في العام 2008 عشيّة نهاية حقبة بوش الابن. وقد ساهمت السياسة الخارجية السيّئة لإدارة بوش الابن إلى حدٍّ كبير في تدهور أوضاع الاقتصاد، وبحصول انقسام سياسي حاد داخل المجتمع الأميركي، ثمّ بفوز الديموقراطيين في حكم البيت الأبيض من خلال الرئيس السابق باراك أوباما، والذي أعاد مسار الاقتصاد إلى حال النمو والانتعاش. وهناك مخاوف لدى العديد من الأميركيين من تكرار سياسة «الحزب الجمهوري» التي اتبعت في مطلع القرن الحالي، تحت إدارة ترامب الآن.

***

طبعاً هناك مصلحة لكلّ دول العالم بتصحيح الخلل الحاصل في ميزان العلاقات الدولية، وبالعودة إلى مرجعية دولية متوازنة في التعامل مع الأزمات القائمة حالياً، وبوقف الحروب الأميركية التي تحصل بلا مرجعية «مجلس الأمن الدولي». وإذا أحسنت القوى الكبرى توظيف هذه المرحلة، فإنّ ذلك قد ينعكس إيجاباً على كلّ الأزمات الدولية، وفي مقدّمتها الآن أزمات منطقة «الشرق الأوسط» التي تشمل ملفّاتٍ مترابطة بتداعياتها وأطرافها؛ من ملفّ مواجهة «داعش» والإرهاب المرتبط بها وبجماعات «القاعدة»، إلى الأحداث الدموية في سورية، وإلى الصراع العربي - الإسرائيلي.

لكنّ الصراع السياسي، الذي يشهده العالم أخّيراً بين موسكو وواشنطن، هو صراع مصالح ونفوذ وليس صراعاً أيديولوجياً، كما أنّه ليس بحربٍ باردة جديدة يجب أن تنتهي بهزيمة أحد الطرفين. لذلك لا يصحّ عربياً المراهنة على أي طرف خارجي (إقليمي أو دولي) في تحقيق المصالح العربية بأبعادها الوطنية والقومية.

فالمصالح الوطنية والقومية العربية تتطلّب أوّلاً الاعتماد على الذات العربية، وتحسين واقع الحال العربي في أجزائه الوطنية وفي كلّيته العربية، وهذا ما لم يتحقّق بعد!.

* مدير «مركز الحوار العربي» في واشنطن

sobhi@alhewar.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي