No Script

أرادت العودة إلى دائرة الضوء فأصدرت مذكراتها بثلاث لغات أثارت ضجة واسعة في أوروبا

أرملة شاه إيران فرح ديبا إمبراطورة بلا عرش ... تستعيد ذكريات 21 عاماً في القصور

تصغير
تكبير
| القاهرة - من محمود متولي |

ثلاث نبوءات في طفولتها وشبابها توقعت كلها أن تكون فرح ديبا زوجة لشاه إيران الأخير محمد رضا بهلوي، وهو ما تحقق، وصارت فيما بعد الامبراطورة فرح بهلوي والتي حلت ضيفة على القاهرة قبل أيام في زيارة شتوية نادرة، حيث اعتادت أن تأتي في يوليو من كل عام لزيارة قبر زوجها بمسجد الرفاعي بمنطقة القلعة «وسط القاهرة»، لكن زيارة هذا الشتاء كانت لتوقيع النسخة العربية من كتاب «فرح بهلوي... مذكرات» أو «حب باق - حياتي مع الشاه» الذي يقع في 400 صفحة ويحمل بين دفتيه مذكرات إنسانية مليئة بالعذوبة والدراما نشرتها دار «الشروق» بالقاهرة بعد أن صدرت للمرة الأولى بالفرنسية، ثم ترجمت إلى الإنكليزية وحققت مبيعات كبيرة على صعيد دول أوروبا.

وكأنها تأبى إلا أن تكون في قلب الأحداث مهما كان مستوى التواجد أو درجة التأثير، فقبل 31 عاماً كانت أخبار الشهبانو، التي كانت الوحيدة من أفراد عائلة زوجها التي لايزال يطلق عليها لقب الإمبراطورة، ملء السمع والبصر، تأمر فتطاع، تحلم فتسير الأمور وفقاً لمجريات أحلامها، ولمَ لا وقد كانت الوحيدة من بين زوجات ملوك الإمبراطورية الفارسية على مدى أكثر من 2500 عام التي تم تتويجها «شهبانو» وتعني بالفارسية «إمبراطورة»، وكان ذلك في العام 1965 أي بعد ستة أعوام من زواجها بالشاه الذي تم العام 1959



الأب... والحرس الثوري

ولدت فرح ديبا في العاصمة الإيرانية طهران في 14 أكتوبر 1938 وكانت الابنة الوحيدة لسوهراب ديبا وزوجته. والدها، الذي توفي حين كانت فرح لاتزال طفلة، كان جندياً في الحرس الثوري الإيراني وتنحدر أصوله من أذربيجان الإيرانية.

درست فرح ديبا الفرنسية في طهران لتنتقل بعدها إلى باريس لدراسة الهندسة المعمارية، وهناك تعرفت على الشاه، الذي كان قد طلق ثاني زوجاته حينها، تزوجا بتاريخ 21 ديسمبر 1959 وأنجبا أربعة أطفال وهم رضا بهلوي، وفرحناز بهلوي، وعلي رضا بهلوي، وليلى بهلوي، والأخيرة عانت من مرض «الأنوركسيا نرفوزا» وهو مرض نفسي أدى لانتحارها، بتناول أربعين قرصاً دفعة واحدة من الكوكايين كانت قد سرقتها من طبيبها الخاص.



الثورة وبداية رحلة الاغتراب

وبعد نجاح الثورة الإيرانية في السيطرة على أقسام واسعة من البلاد رافقت فرح زوجها إلى المنفى، حيث رحلت عن إيران في 16 يناير 1979، بعد أن كانت قد أرسلت أبناءها إلى الخارج، فيما اختارت هي العيش في الولايات المتحدة الأميركية فيما بعد.

وصل الشاه وفرح إلى مصر، ثم انتقلا للعيش في المغرب، ثم جزر الباهاما، ثم المكسيك والولايات المتحدة وبنما قبل أن يعودا من جديد إلى مصر حيث بقي الاثنان حتى وفاة الشاه في 27 يوليو 1980.

بعد ذلك اشترت فرح منزلاً في ولاية كونكتيكت الأميركية وعاشت هناك منذ وفاة ابنتها ليلى العام 2001، وانتقلت فيما بعد إلى مشارف العاصمة الأميركية واشنطن حيث استقرت قرب ابنها رضا بهلوي المعروف بنشاطه السياسي من «أجل إعادة الديمقراطية إلى إيران» ولكنها كانت تتنقل بين واشنطن ونيويورك وباريس والقاهرة.

ولم تكف الشهبانو عن التفكير في العودة لحكم بلادها التي تركتها في يناير من العام 1979 عقب اندلاع الثورة الإسلامية ونفي شاه إيران وعائلته للخارج، حتى إن كلمات الإهداء على صفحات الكتاب جاءت للشعب الإيراني في المقدمة، حيث قالت: «أهدي الكتاب إلى الشعب الإيراني وإلى أطفالي ولأجل محبة مليكي».

في مذكراتها لا تتحدث فرح ديبا عن علاقتها بزوجها فحسب، ولكنها ترصد المناخ العام الذي كانت إيران تعيش فيه منذ أعوام بعيدة حتى من قبل تولي زوجها سدة الحكم، مؤكدة أن إيران كانت جزءا من منطقة الشرق الأوسط، التي كانت تعيش على صفيح ساخن تتجاذب فيه قوى الاستعمار، ورموز الحكم الملكية والجمهورية، أطراف القوة والتأثير.



أسطورة اللقاء بالشاه

تبدأ الشهبانو فرح ديبا مذكراتها بكتابة بيت شعر للشاعرة الإيرانية فروغه فروغزاده تقول فيه: «الطير الذي استشهد... يتذكر رحلته» هكذا أرادت فرح ديبا أن تبدأ قصتها التي تقترب من الأساطير التي تحكي لقاء الفتاة الجميلة بالملك ذي الجاه والسلطان مصادفة، بشكل يقلب حياتها رأسا على عقب.

فهي فتاة من أسرة عادية كانت تعيش في مدينة «تبريز» بشمال إيران ثم انتقلت مع والدها سوهراب ديبا إلى طهران لتدرس في المدرسة الفرنسية، ثم سافرت إلى باريس لدراسة الهندسة المعمارية وهناك كان لقاؤها بالشاه حينما زار كلية الهندسة التي كانت تدرس بها في فرنسا، كان لإطلالتها وقع السحر عليه، وهو ما تقول عنه: «بعد ذلك اللقاء عدت لإيران، وقابلت الشاه أكثر من مرة، حتى كان يوم دعاني فيه لعشاء في بيت ابنته من زوجته الأولى، الأميرة شاهيناز وكنا جالسين في الصالون».

وتتابع: «فجأة وجدت كل المدعوين ينسحبون ويتركوننا وحدنا، وعندها راح يحدثني عن زيجتيه السابقتين، ثم سألني: هل تقبلين بأن تكوني زوجتي؟

وعلى الفور أجبت بنعم... لم يكن هناك ما يستدعي التفكير، ولم تكن لدىّ تحفظات فقد أحببته، وكنت مستعدة لأن أتبعه، فقال لي: أيتها الملكة، ستكون أمامك مسؤوليات كثيرة تجاه الشعب الإيراني».

اقترنت فرح بالشاه في 21 ديسمبر من العام 1959 لتكون زوجته الثالثة بعد الأميرة فوزية شقيقة الملك فاروق ملك مصر السابق، وزوجته الثانية ثريا أصفندياري التي طلقها في العام 1958 لعدم قدرتها على الإنجاب، في الوقت الذي أعلن فيه عن حاجته لولي عهد يخلفه على العرش، وهو ما تحقق على يد الشهبانو فرح التي أنجبت للشاه أربعة أبناء هم بالترتيب: ولي العهد رضا بهلوي الثاني، والأميرة فرحناز بهلوي، والأمير علي رضا بهلوي، والأميرة ليلى بهلوي.



الدخول إلى القصر الإمبراطوري

كانت ليلة الحادي والعشرين من شهر ديسمبر العام 1959، ليلة من ليالي ألف ليلة بكل معاني الكلمة، واتجهت أنظار الإيرانيين والعالم كله إلى القصر الإمبراطوري، كما تحكي هي، وتعلقت العيون بالعروس وبفستانها الذي سحر العقول، فقد كان فستاناً طول ذيله ثمانية أمتار، ويزن عشرة كيلو غرامات، وصمم خصيصاً في باريس من بيت الأزياء «كريستيان ديور»، والفستان مرصع باللؤلؤ والألماس، ومشغولة أطرافه بفراء الفيزون، وكان يبلغ ثمنه ما تعطيه بئر بترول في ربع قرن، ومجوهرات التاج والقرط مرصعة بالألماس والزمرد.

تتحدث الشهبانو في الكتاب عن طفولتها وأهلها بشكل عام، وقصة لقائها بالشاه في باريس ثم زواجهما ودخولها الحياة الرسمية للقصر الإمبراطوري، ثم يجيء دور الحديث عن رحلة النفي خارج إيران وموت الشاه ودفنه في مصر، فيما خصصت الجزء الخامس للتعبير عن مشاعرها نحو زوجها وموطنها إيران.

وتروي ديبا. في مذكراتها قصة تأميم الصناعة البترولية في إيران، والتي كانت تسيطر عليها بريطانيا، بقرار من البرلمان الإيراني العام 1951 وبإيعاز من قائد المعارضة وقتها مصدق المدعوم من أميركا، الذي تولى رئاسة وزراء إيران بعد شهر واحد من قرار التأميم الذي كان يعني ببساطة إغلاق شركة البترول البريطانية - الإيرانية، التي كانت وجهاً مميزاً للتواجد الإنكليزي في المنطقة.

وتكشف أيضاً العديد من الروايات المثيرة ومنها على سبيل المثال محاولات الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها الشاه ومنها محاولة جرت وقائعها في 4 فبراير العام 1949 عند زيارته جامعة طهران، حيث قام شخص يدعى «فخر آريا» بإطلاق خمس رصاصات عليه من مسافة قصيرة، اخترقت إحداها خد الشاه ومزقته، ولكن تم قتل الجاني بإطلاق الرصاص عليه من قبل أحد الضباط المرافقين للشاه، ليتبين من التحقيقات أن آريا كان أحد أعضاء حزب «توده» الشيوعي المحظور والموالي للاتحاد السوفياتي.

هناك أيضا محاولة اغتيال أخرى تمت وقائعها في 10 أبريل العام 1965 حينما أطلق أحد الجنود النار عليه أثناء مرور موكبه في اتجاه قصر المرمر، قُتل الجندي في الحال كما قُتل اثنان من حرس الشاه الذي نجا من محاولة اغتيال جديدة كانت تشير هي وغيرها إلى حجم النزاع الذي يعتري الساحة الداخلية لإيران في محاولة من العديد من الأطراف للسيطرة عليها.



كارتر والمعارضة الإيرانية

لكن قصة المرض تلك لم تكن خافية عن أعين المخابرات الأميركية، التي كان شاه إيران يستمد من علاقته بها قوة يدعم بها حكمه داخل إيران وخارجها، إلا أن تلك العلاقة شابتها حالة من التوتر بين الجانبين في أعقاب تولي جيمي كارتر المرشح «الديموقراطي» الحكم في أميركا، ولم يدرك الشاه كيفية التعامل معه وهو من ألف التعامل مع «الجمهوريين» ممن سبقوه.

وتستشهد الشهبانو فرح على توتر العلاقات بقصة زيارتها هي وزوجها للبيت الأبيض في العام 1977 وهو ما تقول عنه: «كان لدينا اجتماع مع جيمي كارتر وزوجته، وحالما دخلنا قاعة الاجتماعات لاحظنا أن السلطات الأميركية كانت قد فتحت الأبواب والممرات بأكثر من المعتاد وسمحت للمعارضين الإيرانيين بالتسلل إلى الداخل أكثر من المسموح به، وحال مشاهدتهم لنا علت هتافاتهم وصراخهم وشغبهم، عندها اضطرت الشرطة الأميركية إلى استعمال العصي والهراوات ضدهم، ثم استعملت الغازات المسيلة للدموع، ولأنهم كانوا قريبين جداً منا فقد استنشقنا هذه الغازات، وقد نقلت جميع وكالات الأنباء العالمية صورنا ونحن نسعل وندمع سواء في جلسة الاجتماع، أو عند إلقاء الكلمة الافتتاحية في بداية الاجتماع.

وتصف ديبا الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر بأنه من دعم الخميني لتحقيق الانقلاب، وأنه من حرم الشاه وأسرته من اللجوء إلى أميركا، وأنه من فاوض نظام الخميني لإجلاء رعايا أميركيين محتجزين في السفارة الأميركية بطهران، وأنه من سمح أخيراً للشاه بالتوجه لمستشفى بالولايات المتحدة الأميركية على مسؤوليته الشخصية ولأسباب إنسانية بحتة. ولذلك، وكما تقول، كان الشاه غاضبا من الحكومة الأميركية، متعجباً من سبب وقوع ما حدث. في الوقت الذي كان فيه الجانب الأميركي متشدداً في مناقشة قضية المطالبة بالحريات في إيران.



الخميني ضد بهلوي

وتذكر الامبراطورة السابقة أنها لم تتعاطف مع الخصوم السياسيين للحاكم الإيراني، أو أي من اختلف معه بمن في ذلك رئيس وزراء الشاه محمد مصدق في منتصف الخمسينات. وهي وإن سعدت بتاج خصها به الشاه، والذي أحضر مصممي بيت المجوهرات الشهير «فان كليف آند أربلز» لصياغته، إلا أنها لم تهنأ بسلاسة العيش لأن الشاه كان يواجه وبصورة مستمرة متزايدة بآيات من رفض الشعب الإيراني له تراوحت بين مظاهرات داخل البلاد إلى مظاهرات ضده خارج البلاد بما في ذلك أثناء زيارته للبيت الأبيض في الستينات من القرن الماضي، وصولاً إلى منتصف السبعينات، عندما طلبت السلطات السويسرية من الأسرة الحاكمة في طهران تعليق العادة السنوية بالتزلج في جبال سان موريتز خشية على سلامة أفراد الأسرة مع تصاعد دعوات الإمام الخميني ضد آل بهلوي.

وفي مذكراتها لا توحي ديبا بأنها قرأت أسباباً حقيقية لهذه التظاهرات خلال الأعوام التي جلست فيها إلى العرش، فآل بهلوي، وفق ما تروي الإمبراطورة السابقة، كانوا يعملون كل ما بوسعهم لتوفير الرخاء للشعب الإيراني. وما تقوله ديبا إنه ما كانت هناك أخطاء سياسية ارتكبت هنا وهناك من قبل الساسة ومن قبل «السافاك» (البوليس السياسي في إيران) لكنها لم تكن في معظمها مقصودة.



ذهاب بلا عودة

ولا تخفي فرح ديبا أن الشاه واجه خلال حكمه، قبل وأثناء زواجه منها، بلحظات ارتفعت فيها وتيرة الغضب الشعبي ضده بما جعل البعض يتصور أحياناً أن غيابه عن البلاد خلال بعض الأزمات السياسية كان ينبئ ربما بقرب ذهابه بلا عودة عن حكم طهران، فتروي أن احتمال ذهاب الشاه خارج البلاد في الخمسينات، قبيل لقائهما الأول بأعوام، أصابها بحمى القلق التي حالت دون تناولها الطعام أو خلودها للنوم، وهي بعد فتاة مراهقة.

وتؤكد ديبا أنها عملت على معاونة الشاه على توجيه العناية بالفقراء وأصحاب الحاجات الخاصة والظروف الصعبة، وعملت على نشر عادة القراءة والكتابة، وتحسين أوضاع المرأة والاعتناء بالفلاحين من خلال «ثورة بيضاء» تقول ديبا إنها لم توفر جميع متقضيات الديموقراطية للشعب الإيراني ولكنها هدفت، على حد ما تخبرنا، إلى منح إيران الرخاء حتى يتمكن وريث عرش بهلوي، ابنها الأكبر رضا، من التأسيس للديموقراطية عندما يخلف والده و«يرث إيران».

ففرح ديبا لم تقرأ فيما يبدو من ذكريات سطرتها ما يوحي بأن عرش آل بهلوي ربما لن يصمد طويلاً لينتقل من أب لابنه تحت وطأة الغضب الشعبي الذي تصفه الامبراطورة السابقة وتقول إنها تجد فيه الكثير من التحريض والقليل من الحق.

وتتحدث فرح ديبا عن الساسة الذين التقتهم خلال جلوسها على العرش أو بعد ذهاب العرش والنزوح بحثا عن ملجأ في بلاد عديدة في شمال الأرض وجنوبها رأت في استضافة آل بهلوي عبئاً سياسياً كبيراً، بما في ذلك الولايات المتحدة التي سمحت للشاه والشهبانو المخلوعين فقط بالتوجه لنيويورك لإجراء عملية جراحية متأخرة للشاه الذي نال منه السرطان ثم قتله.



رحلة النهاية

وتروي الشهبانو في الفصل الأخير من مذكراتها فترة ما بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران وخروج الشاه وأسرته إلى المنفى في 16 يناير 1979، حيث استقلوا الطائرة إلى أسوان في مصر حيث كان في استقبالهم الرئيس المصري الراحل انور السادات وزوجته. تزعم فرح ديبا أن الشاه لعب دوراً مهماً في دفع إسرائيل لإعادة سيناء للسيادة المصرية، وأنه قدم مساعدات كبيرة لمصر في ظل رئاسة السادات.

وتروي الشهبانو قصة علاقة الشاه بالرئيس المصري الراحل أنور السادات حيث تكشف أن السادات دعم قرينته جيهان في دعوة أسرة بهلوي لملاذ آمن، وقت أن ضاقت بهم الأرض على اتساعها بعد أن قالت سيدة مصر الأولى للشهبانو «فرح، تعالي، نحن هنا في انتظاركم»... والسادات قدم النصائح لوريث العرش الإيراني في حال ما عاد يوماً للحكم.

وكانت نهايته وهو محاط بأسرته في مستشفى المعادي بالقاهرة.. في يوليو1980 وأشرف السادات بنفسه على أدق تفاصيل جنازة الشاه وأكرم مثواه بعد مماته كما أكرمه في ضنك حياته.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي