No Script

الموت غيب أحد رواد نهضة الكويت صاحب «القلم والقرطاس والإزميل والمنشار» عن 92 عاماً

عقاب الخطيب... رحلة كفاح ونجاح

تصغير
تكبير
في الصبح أستاذ وبعد العصر نجار... عمل مدرسا ومارس مهنة النجارة ووقف على خشبة المسرح ممثلا وامتهن التجارة بعد تقاعده.

كل مهنة مارسها خلال مسيرة كفاحه الطويلة شكلت تجربة جديدة في حياته أضافت له رصيدا من النجاح والتألق.

صاحب القلم والقرطاس والازميل والمنشار، طوى صفحة الحياة أمس عن 92 عاما مليئة بالكفاح والنجاح، مخلفا وراءه سجلا حافلا عن ذكريات الرعيل الأول في بناء الكويت، ليكون أنموذجا للأجيال المقبلة.

أمنيته عندما سُئل ماذا تريد من الغد كانت بإجابة «أريد رحمة الله ورضاه علي وعلى اولادي»، ووصيته للشباب الكويتي كانت «الالتزام بالاخلاق اولا واخيرا، والاهتمام بمصلحة البلد وبناء المجتمع».

سيرته حالفة طويلة، ومهما كتبنا عنه فهو قليل بحقه. انه المربي الفاضل الكبير عقاب محمد الخطيب الذي وافته المنية أمس في يوم عرفة العظيم.

ويعتبر عقاب الخطيب رائدا من الرواد الاوائل الذين قامت نهضة الكويت الحديثة على اكتافهم بعد ان أبدعوا في كل مجال شاركوا فيه، ونال جائزة الدولة التقديرية عام 2008.

وهو من مواليد فريج حي الدهلة عام 1921، وبدأ رحلة التعليم في السادسة من عمره حيث تلقى تعليمه الاولى في كتاتيب الملا عبدالعزيز العنجري والملا عبدالعزيز حمادة والملا هاشم البدر.

والتحق بالمدرسة المباركية في عام 1936 واكمل تعليمه حتى السنة الثانية ثانوي وتعلم اللغة الانكليزية على يد الاستاذ هاشم السيد وارسل في بعثة لدراسة النجارة في الكلية الصناعية في البحرين ضمن اول بعثة رسمية خارج الكويت عن طريق شركة النفط عام 1940.

تزوج سنة 1948 ولديه من الأبناء والبنات عبدالله وفضل ومحمد وزيد وطيبة وهند وجميلة، وهو شقيق نائب رئيس المجلس التأسيسي الدكتور أحمد الخطيب.

وهو صاحب مسيرة طويلة من التألق والإبداع والنجاح في التجارة والتربية والمسرح، بدأ حياته بركوب الأهوال وعانى من كل الأخطار كي يضع لنفسه مكانة بعد أن اختار النجارة حرفة يعتمد عليها في كسب رزقه، وبعد أن تعلم هذه الحرفة في البحرين عندما ابتعث إليها عام 1940.

مارس مهنة التدريس عامي 1943 - 1944 في المدرسة المباركية وتخصص في تدريس الاطفال من عمر 5 الى 7 سنوات ثم معلما لمادة الرياضيات وقبلها كمعلم نجارة في مدرسة المباركية وانتقل مديرا لروضة البنين المستقلة في ديوان سيد خلف النقيب.

ويعتبر عقاب الخطيب اول رجل تربوي في الكويت تخصص في مرحلة رياض الاطفال منذ الاربعينات وهو اول من اطلق على نفسه وصف ( ابل ) للأطفال وهي عكس معنى كلمة ابلة.

وفي الاربعينات لم يكن في الكويت مدرس يعلم الاطفال لكن عندما جاء عقاب الخطيب الى المدرسة المباركية اوجد له طريقة خاصة بالتدريس تقوم على الاناشيد والصفقات (التصفيق) والحركات الرياضية وحتى الاهالي عندما يمرون على المدرسة يقفون ويشاهدون هذه الطريقة الحديثة في التدريس. وعندما اختلفت الآراء في طريقة تدريسه وابلغ ان دائرة المعارف تحتج على اسلوبه في التدريس طلب ان يحضر مجلس المعارف اي حصة يدرسها ويتذكر انه حضر الدرس الشيخ عبدالله الجابر الصباح وعبدالله الملا وبعض المسؤولين وبدأ الدرس بالطريقة المرحة وبالتصفيق مع الطلاب، وفي النهاية بدأ المسؤولون يصفقون مع الطلاب وقالوا له بارك الله فيك النتيجة ممتازة.

وعن ذلك يقول الخطيب في أحد لقاءاته الصحافية ان «الهدف لم يكن شخصيا وإنما من أجل المصلحة العامة، وهذا ما نحتاجه اليوم، يجب أن يكون كل احتجاج وكل رفض لأي مشروع نابعا من أجل المصلحة العامة لا من أجل المصالح الشخصية التي لا أشك في أنها تدمر البلد».

وفي عام 1950 عمل ناظرا لمدرسة المثنى الى عام 1954. ومن تلاميذه خلال عمله بالتدريس سمو الامير الوالد الشيخ سعد العبدالله رحمه الله وسمو ولي العهد الشيخ نواف الأحمد والشيخ خالد الأحمد وأحمد الدعيج وضرار يوسف الغانم ورئيس مجلس الأمة السابق جاسم الخرافي وناصر الخرافي وجاسم القطامي ومحمد السلطان ومصطفى السلطان وسليمان العثمان. ومن زملائه في التدريس خالد عبداللطيف المسلم ومحمد زكريا الأنصاري وصالح عبدالملك الصالح.

ويعتبر عقاب الخطيب من مؤسسي الحركة المسرحية في الكويت ومساهماته التمثيلية جعلته من الشخصيات التي يشار اليها بالبنان في هذا المجال لما له من دور بارز في تكريس فن المسرح في المجتمع الكويتي ولما تركه من بصمات واضحة فيه الى جانب عدد من الرواد الاوائل امثال حمد الرجيب وصالح العجيري ومحمد النشمي. واشهر ادواره المسرحية عندما وقف على الخشبة عام 1938 ليأخذ دور عوف بن مالك في مسرحية اسلام عمر كأول مسرحية يشارك فيها اضافة الى ممارسته الاشراف على التمثيل في مدرسة المباركية.

عين عضوا في مجلس ادارة بنك التسليف والادخار وعضوا في المجلس البلدي.

ومن باب النجارة والعمل في صناعة المفاتيح وضع الخطيب خطواته الأولى في سوق المال والتجارة وواصل المشوار دون تخوف ليحقق مكاسب عديدة أبرزها صناعة أجيال من المتميزين يكنون لهذا المعلم المخلص كل الحب والتقدير.

وبين الوظيفتين، معلم وتاجر، يصف الخطيب نفسه بأبيات الشعر الذي عُرف عنه حبه وحفظه، فيقول واصفا حاله معلما مع الطلبة والحياة التربوية في الصباح، وبعد العصر في عملي في النجارة مع الأخشاب والمسامير:

أنا في الصبح أستاذ وبعد العصر نجار.... ولي قلم وقرطاس وازميل ومنشار

ويعتبر ان المهن التي مارسها خلال مسيرته نجارا ومدرس وممثل وتاجرا «كلها تجارب في الحياة، احاول دائما تجربة كل شيء، فكل شيء عملته وكل شيء اشتغلت فيه، اضاف الي تجربة في حياتي وجدت نفسي فيها».

ولم يكن لدى الراحل حرج في الحديث عن بداياته وحياة الفقر التي عاشها، حيث يرجع اختياره لمهنة النجارة عندما ابتعث إلى البحرين إلى كونه كان من عائلة فقيرة «فأمي كانت تخيط الثياب وهذا عملها، ولم تكن متعلمة لكنها، أما والدي فكان يتقاضى 40 روبية مع قلتين من تمر وخيشة عيش، فاخترت النجارة لأن عدة النجار لا تتجاوز قيمتها أكثر من 10 روبيات، ويمكن الحصول عليها بسهولة».

ويصف الراحل الذي عمل بعد تقاعده من مهنة التدريس في التجارة بأنها «باب رزق عظيم»، مشددا على ان «النجاح في التجارة يتوقف على الصدق والأمانة والإخلاص في التعامل وعدم اللجوء إلى الغش».

كان يعتبر ان الفرق كبير بين كويت الماضي والحاضر «والدليل أنه اليوم الكل يشتكي على الرغم من توافر كل الوسائل الحديثة، وعلى الرغم من الرفاهية التي يعيش فيها المجتمع عكس ما كنا عليه في السابق حيث عشنا على التمر واللبن وكانت القلوب نظيفة والنفوس صافية ولم يكن هناك طمع ولا حسد ولهذا كنا نشعر بالسعادة».

وكان يترحم على أيام التواد والتراحم بين الكويتيين «فأهل الكويت كانوا ما يطيح فيهم طايح» لأن الكل كانوا يساندون بعضهم البعض ويحلون مشاكلهم وخصوماتهم باللين والحوار بعيدا عن القسوة والشكاوى وغيرها.

للراحل الخطيب رصيد ضخم لا ينضب من قصص النجاح في مختلف المجالات التي عمل فيها، لا تجد متسعا لها في صفحات كثيرة.

نسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته، وأن يلهم أسرة المغفور الكريمة وأهل الكويت جميل الصبر وحسن العزاء. 



• أول رجل تربوي في الكويت تخصص في مرحلة رياض الأطفال منذ الأربعينات

• أول من أطلق على نفسه وصف «أبل» للأطفال ... عكس معنى كلمة «أبلة»

• أرسل لدراسة النجارة في البحرين ضمن أول بعثة رسمية خارج الكويت

• أوجد له طريقة خاصة بالتدريس تقوم على الأناشيد والتصفيق والحركات الرياضية

• من تلاميذه الشيخ سعد العبدالله والشيخ نواف الأحمد وجاسم القطامي وجاسم الخرافي وناصر الخرافي وضرار الغانم

• وصيته للشباب الكويتي كانت «الالتزام بالأخلاق والاهتمام بمصلحة البلد وبناء المجتمع»

• من مؤسسي الحركة المسرحية في الكويت ومساهماته التمثيلية جعلته من الشخصيات التي يشار إليها بالبنان






من أقواله :



• يجب أن يكون كل احتجاج وكل رفض لأي مشروع نابعا من أجل المصلحة العامة

• النجاح في التجارة يتوقف على الصدق والأمانة والإخلاص في التعامل وعدم اللجوء إلى الغش

• أهل الكويت كانوا «ما يطيح فيهم طايح» وكانت القلوب نظيفة ولم يكن هناك طمع ولا حسد

 
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي