No Script

مثقفون بلا حدود

القدس في وجدان كويتي (6 من 9)

No Image
تصغير
تكبير
مكانة القدس عند المسلمين: ينطلق المسلمون بحبهم للقدس وتمسكهم بها، من قوله تعالى: «سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» الإسراء:1، ولئن تعددت بداية السور القرآنية، فتارة يبدأ الله سبحانه وتعالى بأحرف ذات معان كثيرة مثل بداية سورة البقرة (الم) وبداية سورة مريم (كهيعص)، وتارة يبدأ عز وجل بواو القسم بمخلوقاته مثل سورة الفجر (والفجر)، وسورة الشمس (والشمس وضحاها)،؛ فإن الله عز وجل في سورة الإسراء بدأ السورة بكلمة (سبحان الذي...) وفيها تقديس لذاته عز وجل، ثم اختار السريان في الليل وهي خصوصية أخرى بين الله عز وجل ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم، كما أنه انطلق بحرف الجر (من) ومعناه ابتداء الغاية المكانية أو الزمانية، وهنا جمع الاثنين معا الزمان والمكان، والانطلاقة لم تكن من بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا من مكة، بل بالتحديد وعلى وجه الخصوص من المسجد الحرام، وهي خصوصية أخرى لمكانة ومنزلة المسجد عند المسلمين.

وهذه الانطلاقة كانت مصحوبة بقدسية الله «سبحان...»، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان في معية الذات الإلهية الرحمن الرحيم يرافقه سيدنا جبريل الروح الأمين، مستخدما حرف الجر الآخر (إلى) ومعناه انتهاء الغاية المكانية والزمانية، وهنا انتهت الغاية المكانية فقط، ومازالت الرحلة المباركة مفتوحة الزمن، إذن لدينا زمان وهو الليل ولدينا مكانان هما المسجد الحرام والمسجد الأقصى ولدينا محمد خاتم الأنبياء عبد الله ورسوله، وقد ارتبطوا جميعا بقدسية الله «سبحان...».

ثم تتسع أهمية الرب عز وجل لتشمل الأرض التي حول المسجد الأقصى، عندما قال عز وجل «... الذي باركنا حوله...»؛ ولأنها أرض أنبياء باركها الله عز وجل. ولما كان سيدنا إبراهيم وابنه سيدنا إسماعيل عليهما السلام قد قاما برفع قواعد البيت الحرام، ما يعني أنهما قاما بترميمه وليس بنائه؛ بدليل قوله تعالى ?وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ? البقرة: 127، فوجود أساس البيت الحرام كان سابقاً وراسخـاً في عمق الأرض بدليل قوله تعالي ?رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ? إبراهيم: 37، وهذا ما يؤكده أيضا الحديث النبوي الشريف الذي ورد في الصحيحين والذي ذكرناه آنفا، عندما سأل أبو ذر الغفاري النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا رسول الله: أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: المسجد الحرام. قال: قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى. قال: قلت: كم كان بينهما؟ قال: أربعون سنة. ثم أين أدركتك الصلاة بعدُ فـَصَلِهْ».

ولما أمر الله سبحانه وتعالى سيدنا آدم بأن يهبط من الجنة وليس من أي مكان في السماء بل من الجنة؛ فإن النزول من الجنة يحمل نعيمها وصفاءها وسلامها إلى الأرض محملا بعلم الأسماء كلها؛ ليكون خليفة الله عز وجل عليها، فإن أول ما لمس بقدميه ليضعها على الأرض هي صخرة المسجد الأقصى المبارك. قال تعالى: «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً...» البقرة: 30، فعندما اختار الله سبحانه وتعالى سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم ليربط بين الاثنين المسجد الحرام والمسجد الأقصى بخطٍ أرضيّ قدسيّ مستقيم. كان هذا الربط الأرضي بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى والذي حمل لواء خصوصيته وقدسيته نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، قد تعلق في عنان السماء وعانق السماء السابعة مروراً بكل السماوات وبمباركة كل الأنبياء؛ فمن الإسراء إلى المعراج. والمعراج قد بدأ من المسجد الأقصى وبالتحديد من الصخرة بفترة زمنية لا نعلمها وذلك لربط البقعتين الطاهرتين المقدستين اللتين في الأرض، بقدسية السماء.

ومن الحديث النبوي الشريف الذي ورد في الصحيحين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا». نجد الأمر قد انتقل من عرق عربي أصيل صاحب حق في الأرض من قبل الميلاد، إلى معتقد ديني قدسي مبارك. فهذه الأرض هي أرض باركها الله عز وجل، وهي وصية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فمسجدها الأقصى ضمن المساجد التي تشد إليها الرحال، هي أمانة في أعناقنا؛ فينبغي بألا نفرط بها، دعمنا لها واجب مستحق، وقوفنا جنبها عبادة مقدسة، مؤازرة أهلها رابط أخوي واجتماعي وإنساني، تضامننا مع حقوقهم ومكتسباتهم مطلب دولي، مباركتنا لمقاومتهم وصمودهم شرف لا يضاهيه شرف.

البراق الشريف: في نظر الباحث تيسير جبارة «يطلق لقب البراق الشريف على الحائط الغربي للحرم الشريف في القدس، فهو مقدس عند المسلمين لأن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، كان قد ربط البراق على قسم من الحائط الغربي للحرم قبل صعوده إلى السماء. أما اليهود فيعتبرون أن الحائط يقوم على بقايا معبد سليمان ويسمونه بحائط (كوتيل معرافي) أو حائط المبكى» أ.هـ... وللحديث بقية.

* كاتب وباحث لغوي كويتي

fahd61rashed@hotmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي