No Script

تقرير / أميركا لروسيا: لن نسمح بخسارة المسلّحين مناطق نفوذهم ولا تغرقوا في الوحل

سورية... خطوط تماس تحاكي ثمانينيات الحرب الأهلية اللبنانية

تصغير
تكبير
الحسم العسكري انتهى وتبقى المحاور ومعارك داخلية متفرقة

المعركة ضد «داعش» تستمرّ حتى دير الزور وروسيا مشارِكة فيها
قال مصدر قيادي في مركز القرار في سورية لـ «الراي» ان وزير الخارجية الاميركي جون كيري أبلغ الى نظيره الروسي سيرغي لافروف بصراحة ما معناه ان «الولايات المتحدة تريد وقف الحرب في سورية وايجاد وضع تبقى فيه الأمور كما هي على جميع الجبهات التي تفصل الجيش السوري وحلفائه عن المعارضة وحلفائها، الى حين نضوج الحلّ السياسي الذي تقبل به الأطراف الرئيسية المعنية بالحرب الدائرة على أرض سورية».

واستطرد المصدر ان «اميركا نصحت روسيا بأن لا تغرق في الوحل السوري كما غرقت هي سابقاً في الوحل العراقي، لان واشنطن لن تسمح بخسارة المسلّحين التابعين للمعارضة، ولان الدول الداعمة لهذه المعارضة مستعدة لإرسال سلاح ومال وفرق عسكرية - كما تفعل روسيا وحلفاؤها (ايران وحزب الله والعراقيون من الحشد الشعبي) - اذا شعرت بأن حلفاءها سيخسرون الحرب والمناطق الاساسية المسيطَر عليها. ولذلك فان اميركا تعتقد ان وقف اطلاق نار دائماً سيجبر الجميع على الالتزام به لتنصبّ الجهود على إضعاف»داعش»وإبقائه ضمن مساحة جغرافية محدّدة لا يستطيع من خلالها تشكيل خطر على محيطه».

ويضيف المصدر ان «ايجاد خطوط تماس في سورية يحاكي خطوط التماس اللبنانية في ثمانينات القرن الماضي والتي بقيت لسنوات عديدة تتخللها مناوشات وحروب صغيرة على خطوطها وداخل هذه الخطوط المرسومة. ولذلك فان من الطبيعي ان تحصل معركة هنا او هناك وان يتدهور الوضع العسكري من حين الى آخر وان يحاول فريق ان يسجل نقاطاً على فريق آخر، الا ان بداية نهاية الحرب قد أصبحت على السكة المطلوبة، والحل السياسي لن يخرج بموجبه منتصر ولن يكون هناك غالب، بل حلّ لا يرضي أحداً ولا يستفز أحداً في الوقت نفسه. مع الاشارة الى ان الضغط الاميركي - بوجود الادارة الحالية - كافٍ ليلجم الداعم الاقليمي للمعارضة عن تصعيد الوضع العسكري، وكذلك فإن الضغط الروسي يؤمن التزام الجميع بالتفاهم الروسي - الاميركي لأشهر عدة او لسنوات طويلة اذا سارت الادارة الاميركية بالنهج نفسه الذي يرسمه الرئيس أوباما».

من الطبيعي ان يَنتج عن هذا التفاهم - الذي يبدو صلباً - تَناحُر داخلي بين الحلفاء. ففي الغوطة مثلاً، سقط اكثر من 500 قتيل في معارك الحلفاء بين «جيش الاسلام» وبين «فيلق الرحمن» الذي تدعمه كل من «جبهة النصرة» و«اجناد الشام» و«جيش الفسطاط» (من دون مشاركة احرار الشام). وانقسمت الغوطة بين شرقية وغربية يتناحر فيها اخوة السلاح، مثلما كان يحصل في لبنان بين حركة «امل» والفلسطينيين، او بين الحركة والحزب التقدمي الاشتراكي، او بين الأخير و«المرابطون» وغيرها من الصراعات، ليكون إبقاء الوضع العسكري مجمداً بين دمشق والمعارضة المسلحة سبباً كافياً لتناحُر داخلي بين المعارضة نفسها «لان السلاح يبقى بيد الناس والأحزاب ويبدأ الصراع على السلطة الداخلية بين أمراء الحرب أنفسهم».

وعلى نفس الوتيرة، فقد اعلن توفيق شهاب الدين - القائد العام لحركة «نور الدين زنكي» المدعومة من تركيا - الحرب على الأحزاب الكردية السورية «اذا لم تنسحب من الاراضي التي احتلتها» بعدما سيطرت «وحدات حماية الشعب» الكردية على مناطق متعددة شمال سورية وقطعت طريق الكاستيلو وطرقاً أخرى متعددة وفرضت امراً واقعاً جديداً في المنطقة.

وهذا ما دفع «حزب الله» اللبناني لإعادة انتشاره وسحب عدد من عناصره من «خطوط التماس» الجديدة التي بدأت معالمها تظهر رويداً، بقرار من القيادة العليا في لبنان، لان المبادرة الهجومية انتهت في الوقت الراهن ولم يبقَ لديه الا المحافظة على المكتسبات الاستراتيجية وشريان الحياة الذي يؤمن استمراريته في لبنان.

وترفض قيادة «حزب الله» التدخل بالسياسة السورية وبالاتفاق الاميركي - الروسي ولا تريد ان تكون جزءاً من اللعبة السياسية. ولذلك صدر القرار بإنكفاء مسلحي الحزب عن المناطق التي أصبحت محكومة بأمر واقع. ولأن قيادة دمشق وافقت على الخطوة السياسية الدولية، فان لـ «حزب الله» دوراً في حماية دمشق والمدن الرئيسية والحدود اللبنانية - السورية، وهو لن يتدخل بما يجري بين الدول اللاعبة على ارض سورية، بعدما تأكد ان النظام ثابت واستبدل دوره الهجومي بدور دفاعي.

وتبقى معضلتان: «جبهة النصرة» وتنظيم «الدولة الاسلامية»(داعش). وبالنسبة لـ «النصرة»، فان الدول اللاعبة في سورية تعتقد ان وقف إطلاق النار كفيل بقلب الوضع ضدها اذا لم تفك ارتباطها بـ «القاعدة» ولم تنصهر ضمن الأحزاب المعارضة الأخرى. واذا بقيت «النصرة»على موقفها فإن الحاضنة الشعبية ستنقلب عليها بمعاونة كل الأطراف المعارِضة المسلحة.

اما بالنسبة لـ «داعش» فمن الطبيعي ان يصبح - كما كان - هدفاً مثالياً للجميع. ومن المنطقي ان لا يستطيع الرئيس الاميركي باراك اوباما القضاء على هذا التنظيم قبل مغادرته البيت الابيض في نهاية الاشهر السبعة المتبقية لحكمه. الا انه يستطيع إضعافه بتعاون من الأطراف كلها على أساس ان «داعش»، أصبح الحلقة الأضعف في المعادلة الاقليمية داخل سورية والعراق وبقية البلدان المتواجد فيها. وفي سورية قررت القيادة السورية - الروسية ان تتقدم القوات البرية لاستعادة حقول النفط في حقل شاعر وفكّ الحصار عن دير الزور من دون الذهاب الى الرقة، لان معركة الرقة هي معركة الدول كلها مجتمعة وليست معركة طرف من دون الآخر.

وهكذا بدأت مرحلة جديدة في الحرب السورية تتجه نحو انخفاض وتيرة القتل والدمار من دون ان تتوقف بشكل كامل. الا ان اندفاعتها قد تفرْملت وبدأت حركة «نزوح» للحلفاء لتحلّ مكانها معارك أمراء الحرب في الداخل السوري، إلا أن للشارع كلمته اتي لم يقلها بعد.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي