No Script

«حزب الله»... من التجييش إلى العصبية مروراً بالأيديولوجيا والشعارات / اعتبر أنه يعاني من توقف المقاومة وتحويلها موضوعاً سياسياً داخلياً ومن ارتباك إيراني وتوتر في الساحة السورية.

السيّد هاني فحص: «حزب الله» حوّل الطائفة الشيعية ريعية ... ولن يتوانى عن العمل لإنشاء «دولة إسلامية»

تصغير
تكبير
اعتبر العلامة السيد هاني فحص ان «حزب الله» حول الطائفة الشيعية الى «طائفة ريعية»، مشيراً الى انه «اذا انتهى الربيع العربي الى انشاء دول اسلامية فان «حزب الله» لن يكون وراءها بل امامها، اي انه سيعمل على انشاء دولة اسلامية اقل مدنية وديموقراطية».

واشار فحص في حوار مع «الراي» الى فشل ذريع في سياسة «حزب الله» الاستحواذية.

وقال ان «الشيعة عموماً والشيعة في لبنان خصوصاً قد ظلموا عندما لخصهم بعض الشيعة وبعض من يحبونهم وبعض من يكرهونهم من غير الشيعة في أنهم رفضويون لفكرة الدولة»، مضيفا ان «حزب الله، حزب سياسي والجرعة السياسية في خطابه عالية جداً ولو كان ضعيفاً لكان خطابه أكثر حدة ايديولوجياً».

واشار الى ان «حزب الله بعدما قوي في لبنان وانحلت عقدة العزل والعزلة التي كانت حوله وأصبحت له اجواؤه المسيحية والدرزية والسنية، وأصبح أساساً في العملية السياسية بكل مستوياتها، تقدم في خطابه عن الدولة، لأنه أصبح على وشك احكام قبضته عليها»، معتبرا انه «اذا انتهت حركات الربيع العربي الحالية الى انشاء دول اسلامية سنية في بعض البلاد العربية لن يكون حزب الله وراءها فقط بل أمامها، أي أنه سيعمل على انشاء دولة اسلامية أقل مدنية وديموقراطية».

وبين ان «حزب الله لا يخفي تبنيه لولاية الفقيه وهذا يعني ان فكرة الدولة الاسلامية غير مستبعدة في صميم أطروحته».

واضاف: «حزب الله هو المسؤول عن هذا التحول فهو يقدم الحسين بديلاً للاسلام وللأهل البيت، بحيث ان الجمهور الشيعي لا يتحدث عن علم وعلماء بل يتحدث عن ثقافة التعزية»، مشيرا الى ان «كل هذه المبالغات التي نراها بالأصل هي ايرانية التأسيس تحديداً ولأغراض سلطوية»

وذكر ان «حزب الله الآن يعاني من توقف المقاومة وتحويلها موضوعاً سياسياً داخلياً، ويعاني من ارتباك ايراني ومن توتر في الساحة السورية».

وفي ما يلي نص الجوار:



• كيف يصنع «حزب الله» جمهوره؟ وما أهم العوامل التي يعتمدها في صناعة الجمهور الشيعي؟

- السؤال الذي يطرح حالياً، كيف يحافظ «حزب الله» على جمهوره؟ «حزب الله» مشروع ذكي، استثمر مجموعة معطيات، أولاً، خروج المقاومة الفلسطينية من لبنان، مع عدم وضوح ما اذا كانت بقاياها ستنهض للمقاومة مرة أخرى. ثانياً، التخلي العربي عن فكرة المقاومة. ثالثاً، خراب دورة الانتاج الاقتصادي في لبنان عموماً وفي الجنوب اللبناني خصوصاً حيث كان وجود المقاومة أساساً فيها بصرف النظر عن التعقيدات والخسائر. ورابع هذه المعطيات، يتمثل في تراجع اليسار القومي والأممي، وانخراطه في العملية السياسية اللبنانية التقليدية مع احزاب اليمين بعد أن اقتنع بأنه من دون مقاومة فلسطينية ومن دون أبو عمار لا امكان للاستمرار خصوصاً بعد توقف المال العربي. خامساً، انتصار الثورة في ايران التي أعلنت التزامها بالقضية الفلسطينية، حتى انه وأثناء الاحتلال الاسرائيلي للبنان حصل نقاش في طهران بين أولوية الاندفاع نحو لبنان من أجل فلسطين أو أولوية الاستمرار في المعركة مع العراق، وقد رجّح الخميني الخيار الثاني لأنه اعتبر أن الطريق مع اسرائيل طويل ولا يجوز اعطاء فرصة للنظام العراقي. ومع اكتمال الاحتلال وبقاء اسرائيل في الجنوب، اعتبر أن عملية مواءمة بين اختيار المقاومة في لبنان والاستمرار في العراق، محكومة بأن ايران وجدت في المقاومة فرصة لحل عقدة أقليتها القومية الفارسية أمام المجال العربي المقابل، علماً أنه قبل الاحتلال حصلت محاولات بناء مقاومة واجهت بعض التعقيدات السورية خصوصاً ولم تنته بنتيجة مُرضية. كل هذه المعطيات ترافقت مع أزمة في الفكر القومي واليساري، وهذه الأزمة المعرفية والسياسية تنامت مع أزمة الاتحاد السوفياتي ومع خيبة أمل شعبية في لبنان وغيره من كل الفصائل التي تصدت لعملية التغيير، ويضاف الى ذلك ارتفاع منسوب الخطاب الديني وذهاب او عودة الكثير من اليساريين الى الأطروحة الدينية قبل نجاح الثورة في ايران، حينها كانت العودة الى الدين تبدو ارتدادية، وبعد نجاح الثورة تحولت الى أطروحة دينية شيعية أو سنية ناشئة كحركة الجهاد في غزة او متجددة كالاخوان المسلمين، وأفضت الى انتاج فروع تحرير ديني وهذا توافق في لبنان مع تجربة تنظيمية اسلامية شيعية على حاشية حزب الدعوة في العراق لم يمنعها ترددها وابتعادها أثناء الثورة عن الامام الخميني وايران عموماً وعن المقاومة وفلسطين في اعادة حساباتها والالتحاق بالثورة ودولتها. وبعد قيام بعض المجموعات بعمليات نضالية متفرقة في حركة «فتح» وحركة «أمل» انجذب الايرانيون اليها ووقعت نقاشات طويلة أفضت الى تأسيس «حزب الله» ليكون حاضناً لهذه المقاومة. طبعاً كان المال الايراني حاسماً، وكان هذا المال ينمو بالتدريج وببطء بسبب الارباك المالي الذي سببته الحرب العراقية ـ الايرانية، وأحياناً كان انشغال ايران بالحرب يجعلها تقصر عن تلبية كل حاجات المقاومة التي بحثت عن مصادر تمويل أخرى يُقال ان بعضها لم يكن مشروعاً. ومع نهاية الحرب العراقية ـ الايرانية استراحت ايران وفتحت باب خيراتها على المقاومة التي كانت قد تقدمت أكثر في عملها رغم الخسائر الكبيرة، وقد ترافق ذلك مع ظهور عاملين: انجذاب الجمهور لها والجمهور الشيعي تحديداً، والتراجع في حركة «أمل» وخصوصاً بعد انسحابها من المقاومة واشتباكها مع «حزب الله» واشهار العداء لايران.

• هناك اشكالية تطرح في شكل مستمر حول موقف شيعة لبنان من الدول، وهذه المسألة تعود الى الضوء من جديد بسبب عاملين: التحولات الجارية في المنطقة العربية، وموقع «حزب الله» في التركيبة السياسية اللبنانية. كيف تنظر الى هذه الاشكالية في سياقها الراهن؟

- لا استطيع التحدث عن مسألة الشيعة والدولة في سياقها القلق الراهن من دون العودة الى الذاكرة. وفي رأيي أن الشيعة عموماً والشيعة في لبنان خصوصاً قد ظلموا عندما لخصهم بعض الشيعة وبعض من يحبونهم وبعض من يكرهونهم من غير الشيعة في أنهم «رفضويون» لفكرة الدولة الى حد أنهم ظهروا في العديد من الخطابات وكأنهم فوضويون. الشيعة لم يكونوا رافضين للدولة دائماً، كان الرفض نسبياً وقد اشتغلوا على فقههم وقدموا نظرية فقهية لقبول الدولة على أساس أنها الأولوية، وان كانوا اعتبروها غاصبة سواء أكانت شيعية أو سنية، لأن الحاكم الحقيقي هو المهدي المنتظر أو نائبه الخاص، وطالما أن المهدي غير حاضر وليس له نائب معين من قبله، فالدولة مغتصبة وجائرة بالمعنى الايديولوجي، وبمقتضى وجوب الحفاظ على النظام العام لا بد من القبول بها والتعاون معها وان كانت جائرة فان اسقاطها أكثر جوراً من جورها.

واذا انتقلنا الى لبنان نلاحظ أن الدولة أولوية في العقل الشيعي ولم تفارق الفكر الشيعي طوال الفترة العثمانية، وكلما كانت الدولة العثمانية أقرب الى أن تكون دولة حاضنة لمكوِّناتها كان الالتزام الشيعي أقوى، وما حصل في فترات مختلفة من مسلك مختلف، انما كان سببه الجور العام للدولة العثمانية، الذي انعكس على الشيعة بدرجة أكبر، بحيث كانوا يبدون في أكثر المحطات معزولين، فحاولوا أن يعالجوا العزلة بالانعزال مرة والتمرد مرة أخرى والاحتجاج والاعتراض. وفي مرحلة الصراع بين الدولة العثمانية والغرب كانوا معها وحتى كانوا مع حزب الاتحاد والترقي في البداية على أساس وعده بتطبيق الدستور وقبل الانكشاف، وكانوا مع عبد الحميد ضد الغرب، مع الشريف حسين في الثورة العربية ومع فيصل بعده. واثر سقوط الدولة العثمانية، وسقوط الخلافة، حصلت سايكس بيكو وتكون لبنان الكبير، فوجدوا أنفسهم أمام فرصة للتعبير عن وجودهم الخاص للمرة الأولى، فراهنوا على القبول بهذا الواقع، مع ممانعة شديدة. ومع تطور فكرة الدولة ودورها دخلوا في مجلس النواب وأصبحوا جزءاً شيعياً في العملية السياسية اللبنانية، وقد ترافق ذلك مع بقاء أفكار الوحدة عندهم، وتوزعوا كغيرهم بين التحالفات والانقسامات القومية واليمينة والأممية، وان كانت قد ظهرت مبكراً فيهم ميول قومية ويسارية بسبب التهميش. ومع الثورة المصرية والوحدة المصرية ـ السورية لم يتخلوا عن مطالبهم، ووجدوا في الوحدة مجالاً للتعبير عن وحدويتهم أسوة بغيرهم من أكثرية السنّة خصوصاً وقسم من الطوائف الأخرى، ولم يكونوا مع جمال عبد الناصر بسب اشتراكيته بل بسبب وحدويته، واحبوا سورية لهذا السبب، وحزنوا على نكسة 1967، وعبّروا عن حزن كبير بوفاة عبد الناصر في اللحظة التي كانوا فيها يساندون بدايات المقاومة الفلسطينية في الجنوب.

بعد هذه المحطة التاريخية نعود الى اشكالية «حزب الله» والدولة. «حزب الله»، حزب سياسي والجرعة السياسية في خطابه عالية جداً ولو كان ضعيفاً لكان خطابه أكثر حدة ايديولوجياً، أما وقد اصبح قوياً فلم يعد بحاجة الى الشد الايديولوجي، وهو حزب اسلامي وحدوي كما يعلن، ولكن في تقديري أن أي حزب اسلامي لا يستطيع أن يكون وحدوياً حقيقياً سواء أكان شيعياً او سنياً، لأن الاسلام السياسي لا يمكن أن ينمو الاّ من خلال المذهب، ولذلك عندما يقوى الاسلام السياسي كما هو الآن يبدأ «حزب الله» وغيره بمراجعة الحسابات والانتباه الى الفواصل لا الى الجوامع، لذا فان «حزب الله» بعدما قوي في لبنان وانحلت عقدة العزل والعزلة التي كانت حوله وأصبحت له اجواؤه المسيحية والدرزية والسنية، وأصبح أساساً في العملية السياسية بكل مستوياتها، تقدم في خطابه عن الدولة، لأنه أصبح على وشك احكام قبضته عليها. وفي تقديري اذا انتهت حركات الربيع العربي الحالية الى انشاء دول اسلامية سنية في بعض البلاد العربية لن يكون «حزب الله» وراءها فقط بل أمامها، أي أنه سيعمل على انشاء دولة اسلامية أقل مدنية وديموقراطية وقد سبق له بعد 11 سبتمبر أن شعر أن اسامة بن لادن سبقه مع القاعدة وأخذ الوهج منه. ولا ننسى أن «حزب الله» لا يخفي تبنيه لولاية الفقيه وهذا يعني ان فكرة الدولة الاسلامية غير مستبعدة في صميم أطروحته.

• بعد هذه الاطلالة السريعة حول مسألة الشيعة والدولة. من يتحمل مسؤولية الثقافة البكائية / الثأرية عند جزء من شيعة لبنان؟

- مسؤولون كثيرون من شيعة وغيرهم يعتبرون «حزب الله» هو المسؤول عن هذا التحول الآن، بحيث ان الجمهور الشيعي لا يتحدث عن علم وعلماء بل يتحدث عن ثقافة التعزية. وفي رأيي من يفعلون هذا لا ينتمون الى أهل البيت، بل يستخدمون أهل البيت، وكل هذه المبالغات التي نراها بالأصل هي ايرانية التأسيس تحديداً ولأغراض سلطوية، وكما تذكر بعض المصادر فإن الصفويين فرضوا التشيع في ايران واستدعوا فقهاء شيعة من جبل عامل من أجل تعميم الفقه الشيعي، وقد تأثروا بالطريقة المسيحية خلال الاحتفال بآلام السيد المسيح، ونقلوها من خلال بعثة الى بلاد القرم في عهد الشاه طهماست، فاستخدموا هذه الطريقة لتأسيس تمايز ايراني - شيعي عن الآخر العثماني. والذي نقل هذه المظاهر المبالغ فيها في عاشوراء الى لبنان شخص ايراني يدعى الميرزا، وهو طبيب نقل الطريقة الايرانية في الاحتفال بعاشوراء، وتكونت في النبطية عصبة وقفت بوجه المرجع محسن الأمين الذي تصدى لها فقهياً.

• كيف يبني «حزب الله» العصبية الشيعية؟

- استطاع «حزب الله» بسبب العوامل السياسية والثقافية والايديولوجية المستثمرة في جو من الغنى المالي والسخاء الزبائني وعلى ايقاع المقاومة ووهج الشهادة بناء العصبية الشيعية حوله، مستفيداً من انحلال الدولة، وقد حوّل الطائفة الشيعية الى طائفة ريعية في أوساط الفقراء والطبقة الوسطى وحتى في الطبقات الغنية التي أصبحت شريكة للحزب في دورة انتاجه، فخرجت من مكوِّنها المدني الى العصبية، وهذه الظاهرة لا تقتصر على «حزب الله» بل نجدها عند الطوائف كافة لاسيما الطائفة السنية. «حزب الله» الآن يعاني من توقف المقاومة وتحويلها موضوعاً سياسياً داخلياً، ويعاني من ارتباك ايراني ومن توتر في الساحة السورية ومن المخاطر المحتملة على النظام الحليف وقناة طهران في الساحة السورية، ومن دلالات الربيع العربي ومن الأزمة الاجتماعية داخل صفوفه، حيث أخذت تتفاقم ظواهر مسلكية واجتماعية، تمتد من المخدرات بعيداً عن رقابة الدولة وسلطتها الى كل المسلكيات الملائمة لها، والى مبادرة فئات اجتماعية عصبية على استثمار التعبئة الحزبية تحت عنوان المقاومة، وكل هذه الممارسات تتراكم في شكل يومي في مشهد تغييب الدولة وغيابها، وأخذ القانون أو الحق المدعى أو الباطل باليد.

هناك فشل ذريع في تجربة «حزب الله» السياسية الاستحواذية بسبب احكام قبضته على الحكومة اللبنانية الحالية، وهذه الأمور قد يترتب عليها مصاعب كثيرة خصوصاً اذا أصر الحزب، وقد لا يفعل ذلك، على استخدام قوته في مصادرة الدولة بكاملها.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي