No Script

ماذا عن أدوار روسيا وأميركا وتركيا وإيران وإسرائيل؟

الحرب في سورية... سيناريوات بداية النهاية

تصغير
تكبير
اتفاق الدول العظمى على إنهاء «داعش» في سورية

«حزب الله» يتوقّع حرباً إسرائيلية... ووقائع تستبعدها
اتّفقت الدول العظمى (وفي مقدمها أميركا وروسيا) على إنهاء تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش) كأولويةٍ في سورية ما سيوحّد الأهداف - من دون أن يوحّد الجهد والتنسيق - ويفتح المجال نحو حسْم الوضع العسكري والعمل على إزالة العوائق، حسب الاولويات، من أمام وضع حدّ للحرب في سورية.

أميركا

دفعتْ الولايات المتحدة بالمئات من عناصرها وقواتها الخاصة الى الشمال - الشرقي السوري لتقود وتخطّط للهجمات ضدّ تنظيم «داعش» من خلال أدواتها المتمثّلة بالاحزاب الكردية والعربية الموجودة في أرياف الحسكة والرقة.

وقد بدأ عمل الوحدات الخاصة الاميركية ضمن المناطق التي تهدف للسيطرة عليها من خلال التخطيط للهجمات وتَقدُّم القوات الرديفة وتنفيذ الطائرات الاميركية غارات، ووضْع قادة «داعش» ضمن دائرة الاستهداف الالكتروني والاغتيال، تمهيداً لمعركة الرقّة الكبرى وإنهاء تواجد «داعش» في المدينة.

ومن الطبيعي أن هناك توزيع أدوار بين أميركا وروسيا حول خطة مهاجمة الرقة، إذ ان اندفاعة الجيش السوري نحو شمال شرق حلب تهدف الى وضْع خطوط تماس مع الجيش التركي وقواته الرديفة السورية، وكذلك تهدف الى أخذ خطوط مواجهة مع «داعش». وسيعبر الجيش السوري نهر الفرات من الجهة الغربية ليدخل الى الطبقة ويقترب من الرقة بعد ان يحرر دير حافر ومسكنة وإنهاء وجود «داعش» كلياً في ريف حلب الشرقي.

وقد اجتمع رؤساء أركان أميركا، الجنرال جوزف دانفورد، وروسيا الجنرال فاليري غيراسيموف، والتركي الجنرال خلوصي آكار في انطاليا قبل أيام لتحديد أماكن تَقدُّم الجيش التركي وتوقُّفه عند حدود مدينة الباب وعدم اهتمام أميركا بتدخل جنود أنقرة وقوّاتها الرديفة السورية في معركة الرقة ولمنع حدوث تصادم مع الأكراد الذين يتمتّعون بحماية اميركية وبمباركة روسية.

أما خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالنسبة لسورية، فقد تَحدّدتْ منها معالم كثيرة لغاية اليوم، مع العلم ان ترامب نفسه يبدو متردداً حيال ما يمكن تحقيقه في سورية. ويبدو ان الرئيس الجديد لا يريد التصادم مع روسيا على عكس سلفه وهو يطلب التنسيق معها في مكافحة الارهاب على أرض بلاد الشام.

وأعلنت روسيا مراراً أن هناك نحو تسعة آلاف مقاتل يحاربون مع «داعش» ومع تنظيم «القاعدة» في سورية. ولذلك من مصلحة موسكو وكذلك واشنطن (ومعهما المنطقة بأكملها) التخلص من هؤلاء وآخرين من جنسيات مختلفة يحاربون في صفوف التنظيمات المتطرفة المتنوّعة. وهذا ما يدفع الدولتين العظمييْن الى ضرورة التنسيق في ما بينهما لمكافحة الارهاب.

أما الجزء الآخر فهو استقرار سورية. ولم تتضح لغاية اليوم نيات القوات الاميركية المتمركزة في شمال سورية وأهدافها الاستراتيجية. فإنشاء أربع قواعد عسكرية أميركية في سورية يدلّ على عدم النية بخروج هذه القوات في القريب العاجل إلا من خلال تفاهم معيّن مع الدولة السورية أو مَن يمثّلها (وفي هذه الحالة روسيا). وإذا قرّرت الولايات المتحدة الخروج، فإنها لن تخرج من دون مقابل، أما إذا قررتْ البقاء فهذا يعني نيّتها إنشاء كيان خاص للأكراد في سورية يحاكي الكيان الكردي العراقي، ما يعني استمرار الأزمة السورية سياسياً، الأمر الذي ينذر ايضاً ببقاء تركيا في الجيب الذي تسيطر عليه في المربع الممتد من جرابلس الى مدينة الباب.

ومن الواضح أيضاً ان ترامب أراد جنوداً على أرض سورية ولكنه يحارب بجنود سوريين أكراد وعرب، وليس لتأمين وقف اطلاق نار او الانغماس في الوحول السورية، بل لتسجيل نصرٍ على الإرهاب سيكون أوّل انتصار لادارة الرئيس الأميركي الجديد ضدّ عدوٍّ مهزوم في العراق ويتقهقر في سورية ويتلقى الضربات من كل حدب وصوب. إلا أن هذا الانتصار من الممكن أن يتحوّل هزيمة إذا قرّر ترامب إبقاء القوات الاميركية في سورية ما بعد إنهاء «داعش» وما بعد الحرب السورية.

معضلة مهمة تبقى عالقة: مَن سيدخل مدينة الرقة؟

لن يستطيع 20 ألفاً من الكرد والعرب محاصَرة الرقة ودخولها، ولن تقبل العشائر العربية ببقاء الكرد في المنطقة أيضاً. ولا يوجد سبب يدفع الكرد الى خسارة المئات والآلاف من المقاتلين ليسلّموا مدينة عربية للعرب ويخرجوا منها بعد تحريرها. ومن هنا فإن ترامب لن يستطيع حلّ هذه المسألة من دون العودة الى الجيش السوري (بتنسيق مع روسيا) ليدخل الى الرقة ويحرّرها بتنسيق الضربات الجوية بين الدول الكبرى. وبذلك يؤمّن الكرد والعرب من عشائر المنطقة الحصار، كما فعل أكراد العراق في معركة الموصل من دون أن يدخلوا المدينة. وبالتالي فإن ترامب لن يحصد النصر لوحده إلا اذا قرّر الزجّ بآلاف من القوات الأميركية وتقبّل الخسائر البشرية التي لابد منها، وهذا مستبعد تماماً.

روسيا

تُعتبر موسكو المايسترو في الحرب السورية الذي يهدف الى ضبط ايقاع المعارك وتوزيع النفوذ على الخريطة الجغرافية والسياسية لبلاد الشام.

فقد قررتْ روسيا أن سورية أصبحتْ ضمن استراتيجيتها العسكرية - السياسية ولن تسمح بسقوط نظامٍ متماسك يحمي الدولة ويمنع تكرار السيناريو الليبي. ومن أجل ذلك، وللحفاظ على نفوذها في الشرق الاوسط من خلال البوابة السورية، تعمل روسيا على جبهاتٍ عسكرية - سياسية متعددة لضمان عدم انجرارها الى حربٍ طويلة في سورية ولبقاء قواعدها العسكرية على حدود «الناتو» الشرق أوسطية المتمثّل بتركيا.

وأظهرت روسيا أنيابها لإدارة باراك اوباما مستخدِمة كل أنواع الأسلحة الحديثة التي تناسب الحرب السورية، لتضرب كل مَن دعمتهم الولايات المتحدة مباشرة وعن طريق حلفائها الاقليميين. ودعمتْ موسكو القوات الرديفة للجيش السوري التي تمثّل الثقل الأكبر ورأس حربة الهجوم ضد «الجهاديين» والمعارضة، وأمّنت الغلبة لقوات دمشق في مدينة حلب وتدمر وحول دمشق.

واليوم، التزمتْ روسيا بضرب أي تجمّع لـ «القاعدة» والمعارضة المسلحة إذا قام هؤلاء بهجوم وخرق لاتفاق وقف إطلاق النار، حتى ولو لم يشارك هؤلاء في مؤتمرات أستانة في كازاخستان أو جنيف، أو حتى في أي محادثات سلام او هدنة مع دمشق. واتفقت روسيا مع اميركا على محاربة الارهاب ابتداءً بـ «داعش»، وايضاً على وقف تركيا عند حدود مدينة الباب ومنْعها من التقدم نحو حلفاء الدولتين العظمييْن.

تعلم روسيا ان تركيا شريك في سورية لابد منه في الوقت الراهن للمحافظة على الهدوء بين حلفاء الطرفين، إلا ان روسيا لا تثق بتركيا في الملف السوري خصوصاً بعدما أدارت أنقرة محرّكاتها في العام 2015 ضد موسكو (اسقاط طائرة السوخوي SU 24)، وانقلبتْ أخيراً على حليف روسيا في سورية، أي ايران، عبر مهاجمتها طمعاً بتفاهُم مع الرئيس الاميركي الجديد، وهو تفاهُم لم ولن يُترجم على أرض سورية لأن جنود أنقرة وحلفاءها لن يُسمح لهم بتخطي خطوط التماس الجديدة وكذلك بالمساس بالأكراد.

وتعلم موسكو أن أنقرة ستدير دفّتها باتجاه روسيا من جديد في مؤتمر «أستانة -3» المتوقع عقده هذا الشهر، إلا أن اي تغيير في الخريطة العسكرية وانتشار القوات على الجغرافيا السورية لن يحصل لأن الهدف اليوم لا يدور حول تحقيق أهداف ومكاسب إلا باتجاه «داعش». ولذلك لم يعد لتركيا اي دور على الأرض سوى احتواء حلفائها لمنْع التدهور على خطوط التماس الجديدة وتحييد أكبر عدد من المقاتلين الموجودين في إدلب لأن معركتها سيحين دورها عاجلاً أم آجلاً. وتتواجد قوات الكرملين على أرض المعركة في أكثر الأماكن سخونة لتقديم الدعم الاستخباراتي والجوي والمشاركة في القتال عن طريق الوحدات الخاصة، كدليل على عمق الالتزام الروسي في سورية. ولذلك فإن موسكو ستلعب دوراً مهماً في السياسة السورية لتفرض تَواجُد وتَفاوُض دمشق مع المعارضة المسلحة وتلك السياسة المدعومة من اللاعبين الاقليميين، بما يضمن ان تبقى روسيا خارج الوحول السورية ولا تعيد تجربة أفغانستان التي أغرقتْها ودفعتْها الى الخروج والانكفاء لعقود طويلة عن الساحة السياسية الدولية.

واستطاعتْ روسيا فرْض أجندتها على الجميع: لم تعد دول المنطقة تطالب «برحيل الأسد عسكرياً او سياسياً»، وكذلك أعلنت واشنطن بلسان الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية ان «مصير الرئيس السوري بشار الأسد يحدّده المفاوِضون في المحادثات السياسية الجارية».

ولم تتدخّل روسيا في الصراع الدائر بين إسرائيل وإيران (وحلفائها وعلى رأس هؤلاء «حزب الله» اللبناني)، وسط تفاهُم ضمني على الا تستهدف اسرائيل أيّ قوّة عسكريّة تشارك في الحرب السورية، وعلى ألا تتدخّل روسيا عندما تقصف طائرات تل أبيب مستودعات الأسلحة التي أحضرتها ايران الى «حزب الله» في لبنان او «المقاومة السورية» في الجولان التي تتحضّر في الظل لما بعد الحرب السورية الجارية.

وعلى الرغم من لقاء بوتين - نتنياهو، لن تستطيع إسرائيل تغيير سياسة موسكو في سورية ولن تأخذ أي ضوء أخضر لضرب إيران أو «حزب الله» ما دام هؤلاء يعملون تحت قيادة مشتركة وما دامت الحرب على الارهاب لم تنته و«القاعدة» لا تزال تحتفظ بكل قوتها في ادلب وحول حلب ولم تنته فصول «داعش» بعد.

«القاعدة»

فقدتْ «القاعدة» الأم والأب في سورية والمنطقة، لأن الدعم المطلق لإسقاط الأسد انتهى مفعوله وبدأتْ الدول الداعمة تتجه نحو تقليص دورها في سورية، لأن المعارضة فشلت في تحقيق أهدافها ولأن اللاعبيْن الأميركي والروسي بدّلا قواعد اللعبة وأغلقا الطريق على تركيا، الممر الأساسي الذي كان يمدّ «داعش» و«القاعدة» بالمال والسلاح والدعم اللوجيستي. وقد أظهر الرئيس دونالد ترامب اهتمامه بضرب «داعش» من دون «القاعدة»، مع العلم ان الطائرات من دون طيار الأميركية تصطاد قادة «القاعدة» القدماء الذين لبوا نداء زعيمهم ايمن الظواهري وحضروا الى بلاد الشام لدعم أكبر وأقوى فرع لها منذ إنشائها.

لم ترغب إدارة اوباما السابقة في فصْل «القاعدة» عن المعارضة المسلحة ما شكل أرضية تَخاصُم حقيقي بين روسيا وأميركا. إلا ان «القاعدة» نفسها قامتْ بهذه المهمة بعدما هاجمت الفصائل السورية التي حضرت مؤتمرات السلام ووقف اطلاق النار في أستانة - كازاخستان. وبهذا الاقتتال الداخلي وهجوم «القاعدة» على «أحرار الشام» - أحد أكبر التنظيمات الذي طالما وقف وساند القاعدة عسكرياً وسياسياً - خسرتْ «القاعدة» الحاضنة الشعبية وسُحب البساط والغطاء منها ففقدتْ مشروعيتها لتقف أمام خيارات محدودة:

- إما القتال حتى الموت ويكون هذا القتال من دون جدوى استراتيجية.

- إما الاندماج ضمن تنظيمات أخرى - مثل «الاحرار» - إلا ان هذا مستبعد لأنها تقاتلهم اليوم للبقاء.

- إما الطلب من المهاجرين - الذين يمثلون أكثر من ثلث تنظيم «القاعدة» في سورية حسب أقوال قائدها ابو محمد الجولاني - المغادرة الى أرض «جهادية» أخرى في سبيل تحقيق أهدافهم خارج بلاد الشام.

إذاً أولوية القضاء على «داعش» ستعطي «القاعدة» وقتاً أطول للتجهيز للمعركة او التخلي عنها. إلا ان الوقت سيمضي عندما تُخيّر مدينة ادلب - حيث تتمركز اكبر قوة لـ «القاعدة» - بين القتال او الاستسلام.

الدول الداعمة للمعارضة

بعدما فَهِم العالم العربي والغربي أن روسيا أصبحت داخل الشرق الاوسط بثقلها كله، وبعدما قررتْ الإدارة الاميركية عدم الوقوف في وجه موسكو على الساحة السورية، انكفأ جميع اللاعبين في منطقة الشرق الاوسط ولاسيما بعد استعادة مدينة حلب وعودتها لسيطرة الجيش السوري.

وكان لافتاً قول الموفد الأممي ستيفان دي ميستورا انه «يجب التخلي عن أوهام النصر العسكري، والعمل على وقف إطلاق النار الشامل، والسعي لتعديل الدستور من قبل السوريين أنفسهم وإعادة الإعمار والحرب على الارهاب». وهذا يعني ان لا كلام عن الرئيس الأسد ومصيره، وان لا مفرّ من ضرب كل مَن يعمل على إبقاء نار الحرب مشتعلة، وان الدول العظمى تسير نحو إنهاء الحرب في سورية. وهذا إن دلّ على شيء فانه يدلّ على إنهاء الدعم الخارجي للمسلّحين. وتالياً التخلي عن إذكاء نار الحرب وإبقائها مشتعلة، ما يؤكد، حسب مصادر غربية، أن لا دور للدول الداعمة إلا بدفْع مناصريهم والمموَّلين من قبلهم للقبول بتعديل الدستور والاحتكام للمفاوضات السلمية، وهو الأمر الذي يشي بانتهاء دور الذين لم يكن لديهم يوماً رؤية استراتيجية لمَن سيحكم سورية بعد الأسد بل كان الهدف هو إسقاطه وإنجاح الفوضى والتسبب بفشل الدولة لينعكس ذلك الـ «لا هدف» على المنطقة برمّتها ويوفّر قاعدة للمتطرفين الذين لم يترددوا بضرب أمن المنطقة كلها.

إيران

كثر الكلام عن الطلب من إيران و«حزب الله» الخروج من سورية كجزء من عملية السلام التي ينخرط بركبها مَن أراد ومن لم يرغب في ذلك. وكذلك تداولتْ الصحف بطلب روسي من ايران مغادرة سورية وكذلك من جميع حلفائها. والواقع ان كل هذا ينبع عن تمنّ ورغبات لم تُثر يوماً بوجه إيران ولا أمام حلفائها.

والذي يؤكد عدم صحة هذه النظرية ان الحرب في سورية لم تنتهِ بعد، فالمعركة مع «داعش» اقتربتْ من أخطر مراحلها، والمعركة مع «القاعدة» لم تبدأ بعد، وبالتالي فإن الجيش السوري وحده مدعوماً بالطائرات الروسية لن يستطيع مجابهة مَن لديهم الايديولوجية الراسخة بالقتال والصمود، على عكس الجندي المحترف والمتطوّع الذي يتقاضى راتبه في آخر الشهر.

وللتذكير فإن إيران حضرت الى سورية العام 1982 بموافقة الرئيس حافظ الاسد، وحضر «حزب الله» الى سورية بقوة العام 2013 بطلب من الرئيس بشار الأسد. وتشكّل إيران وكذلك حلفاؤها حلفاً استراتيجياً مع سورية لا يحتاج لتواجد عسكري بالآلاف في حال انتفاء الخطر المباشر على مصير الدولة، إذ عندها يصبح بقاء إيران و«حزب الله» بالآلاف على أرض الشام بلا جدوى، وخروج هؤلاء سيكون سريعاً كدخولهم في الوقت الذي يراه الأسد مناسباً. وهذا أمر لا يحدّده احد من الدولتين العظمييْن (روسيا وأميركا) بل ان الأحداث والتطورات هي التي تفرض وجود هؤلاء من عدمه.

ومن الواضح ان استراتيجية إيران في سورية قد تحققتْ ليومنا هذا، اي الحفاظ على الدولة السورية وعلى رأسها حكم غير عدائي لها ولحلفائها في المنطقة. ولعبتْ ايران دوراً ايجابياً بالتقارب السوري - العراقي ما أنتج تعاوناً من بغداد في دعم سورية استخباراتياً وحتى عسكرياً، وآخره الغارات التي قام بها سلاح الجو العراقي بموافقة دمشق وضرب عبرها أهدافاً لداعش داخل سورية.

«حزب الله»

يواكب «حزب الله» الجيش السوري بمهمّاته العسكرية على كامل الأراضي السورية من دون استثناء. ويتواجد عناصر وضباط هذا التنظيم على كل الجبهات: من دير الزور الى أرياف حلب حيث يتقدم الجيش السوري مستعيداً أراض من «داعش»، الى حلب وخطوط تماسها مع «القاعدة»، وحمص ودمشق - الغوطة ودرعا جنوباً وحتى الحدود القريبة من الجولان.

ويتخوّف «حزب الله» من حربٍ تشنّها اسرائيل عليه إذا اجتمع المال اللازم لدعم هكذا حملة مع رغبة اميركية بأن تكون واشنطن جزءاً مشتركاً في هذه الحرب، إلا ان الوقائع لا تشير الى اقتراب هكذا معركة بل الى تأجيلها او ربما إلغائها لأسباب مختلفة أهمها:

- إذا أراد ترامب أن يدخل اسمه التاريخ - كما يرغب - فانتصاره على «داعش» في العراق وسورية كافٍ لتحقيق رغبته. ولهذا فإن الحرب على «داعش» المحاصَر مقدور عليها أكثر بكثير من الحرب على «حزب الله».

- الأولوية بالنسبة لأميركا هي الحرب على «داعش»، ومن بعدها الحرب على «القاعدة» في سورية والعراق. ولتحقيق ذلك يجب عدم الإخلال بأعداء هؤلاء في سورية وعدم فتح أكثر من جبهة ساخنة غير محسومة النتائج.

- إذا أعلنتْ اسرائيل الحرب على «حزب الله»، فإن سورية ستكون جزءاً منها وستشارك فيها لأن مصير الدولة أصبح مرتبطاً بمصير حلفائها الذين ساندوا سورية وقت كانت الحكومة ومقوّمات الدولة في خطر السقوط في يد «القاعدة» وحلفائها. وهذا من شأنه توسيع رقعة الحرب لتشمل الأراضي السورية التي تتواجد عليها روسيا التي لا ترغب برؤية استراتيجيتها الهادفة الى تحقيق إنجاز عسكري - سياسي تفشل.

- الجبهة الداخلية الاسرائيلية غير جاهزة لتلقي الخسائر المتوقَّعة والمدمِّرة (على لبنان ايضاً) إذا اندلعتْ الحرب مع «حزب الله» الذي يملك - حسب إحصاء القادة الاسرائيليين - أكثر من 150 ألفا الى 200 ألف صاروخ.

- تَعاظُم خبرات «حزب الله» القتالية وتواجد صوامعه تحت الأرض حيث يخفي صواريخه بعيدة المدى، يجعل من هذا التنظيم عدواً شرساً لا يستهان به. فعندما يتوقف القصف المدفعي وضربات الطيران، يُزج الجنود إلى أرض المعركة لمجابهة القوات الأخرى. وهنا سيَبرز خطر مجابهة قوات «حزب الله» التي خاضت حروباً بأذرع مختلفة وأمام عدو - في سورية - لا يتوقف عند الصعوبات ويتمتع بايديولوجية (الكلام هنا عن القاعدة وداعش) ثابتة ولا يخشى الموت على عكس الجيش الاسرائيلي. ولهذا فإن أي حرب مواجهاتٍ مستبعدة في القريب العاجل على الرغم من تخوّف «حزب الله» نفسه من هذا الاحتمال.

إذاً، تبدو سورية بعيدة وقريبة من نهاية الحرب في آن واحد. فهناك معوقات عسكرية وقتال لم ينته بعد، وهناك معارك سياسية ودستورية لم تنضج بعد في أروقة «أستانة» و«جنيف»، إلا ان مؤشرات بداية النهاية بدأت تلوح في الأفق البعيد على الرغم من المطامع الأميركية - التركية الواقعة والتي لابد لدمشق أن تواجهها يوماً.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي