No Script

تغيّر الشرق الأوسط ولكنه لا يتجه نحو الأفضل لأن الصراع بين الدول لا يزال على حاله

في سورية... مَن خسر ومَن ربح؟

No Image
تصغير
تكبير
روسيا وأميركا تتسابقان لاستعادة ما أمكن من الأراضي التي يسيطر عليها «داعش»

«داعش» خسر يوم انسلخ عنه الجولاني... ولن يختفي حتى لو خسر كل مناطق سيطرته

الثورة خسرت اندفاعها منذ خطفتْ التنظيمات المتطرّفة روحها

تركيا ربحتْ موقعَ قدمٍ... وغيّرت مجرى الحرب حين أسقطتْ طائرة روسية

روسيا خرجتْ منتصرة وبخسائر قليلة جداً لا تُذكر

نفوذ إيران تمدد إلى بلاد ما بين النهرين وبلاد الشام

واشنطن استخدمت الأكراد لتحقيق أهدافها

«حزب الله» اكتسب خبرةً فريدة بقتاله ضد أعداء متعددي الأسلوب والعقيدة
للوهلة الأولى فإن الإجابة عن سؤال مَن خسر في سورية، هي تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش). إلا أن اللائحة أكثر تعقيداً من ذلك.

نعم خسر «داعش» الأرض والممتلكات وحقول النفط والغاز التي استولى عليها منذ العام 2014 ليصبح أغنى تنظيم في العالم يملك مليارات من الدولارات مع مردود شهري وضرائب يومية تُفرض على السكان والخدمات ودخول البضائع. واستفاد «داعش» من البنية التحتية الموجودة أصلاً لتطويرها على شاكلته ويسنّ قوانين تتناسب مع أيديولوجيته واحتياجاته. إلا أن «داعش» سبّب خسارة للسنّة في سورية (والعراق خصوصاً)، وتسبّب بخسارة فادحة للدولة ولممتلكات المذاهب الأخرى، وكان أحد الأسباب الرئيسية لتهجير كل مَن رفض السكن أو المساكنة وكل مَن جابه الموت إذا ما بقي في أرض «دولة الخلافة».

وها هي روسيا وأميركا تتسابقان لاستعادة ما أمكن من الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم «داعش» لينحصر وجوده مع جنوده داخل منطقة حدودية تُعرف بحوض الفرات، ويمتدّ من دير الزور الى البوكمال، ويشمل البادية السورية والعراقية التي يعرفها هذا التنظيم جيداً، إذ عاش فيها لأعوامٍ طويلة منذ الاحتلال الأميركي للعراق العام 2003 وعمل واختبأ فيها وتنقّل في صحرائها وباديتها لتصبح مستقبلاً «منزله» الذي سيقطنه لسنوات طويلة، لأن الجغرافيا القاسية تحميه وتؤمّن له ملاذاً آمناً يستطيع منه، وخصوصاً من البادية وصحراء الأنبار، الانطلاق بعملياته المستقبلية ضدّ كلٍّ من سورية والعراق والقوى المختلفة التي تتواجد على أرضهما (أميركا، روسيا...).

ويقاتل «داعش» اليوم في البادية وريف حمص (محيط تدمر) ليؤخّر تَقدُّم الجيش السوري وحلفائه نحو دير الزور والميادين والقائم (منطقة حوض الفرات)، بعدما أصبح دحْره من مدينة الرقة أمراً لا مفرّ منه ومسألة وقت.

نعم لقد تعلّم هذا التنظيم الكثير من أخطائه وتعلّم فنون الحرب والمفخخات، وأن هذا الأسلوب محدود النتائج أمام قوى نظامية مجهّزة لمواجهة هذا الخطر، وتعلّم كيفية إدارة «الدولة» ومقوّماتها والتعامل مع التنظيمات الأخرى والتحالفات الممكنة والمستحيلة. ولن يختفي هذا التنظيم من الوجود حتى لو خسر كل الأراضي التي يسيطر عليها في العراق وسورية وسيقوى او يضعف بحسب مستوى التوتر في الشرق الأوسط.

«القاعدة»

خسر «داعش» في اليوم الذي انسلخ عنه أحد مسؤوليه - زعيم «القاعدة» في سورية تحت مسمى «هيئة تحرير الشام» - أبو محمد الجولاني الذي أراد كينونة له فغرّد خارج «الدولة» وشقّ عصاها ليعطي الأولوية لطموحاته، وهذا ما أنقذ سورية والمنطقة من سيطرة أكيدة لـ «داعش» على كامل سورية ولبنان (بأكثر مناطقه) ومن تهديدٍ أكيد لدول الجوار كافة، فسجلت «القاعدة» انتصاراً كبيراً في سورية، لأن فرعها في بلاد الشام أحياها من جديد وأعطاها حجماً لم تكن عليه من قبل حتى أيام زعامة أسامة بن لادن.

وعلى الرغم من محاصرة «القاعدة» في سورية في مدينة إدلب (مع الاحتفاظ بجيوب أخرى أقلّ أهمية)، فإن مستقبلها في بلاد الشام لن يكون مختلفاً عن مستقبل «داعش»، إلا أنها استطاعت التوغل بين المجتمع السوري والتزاوج معه. وبالرغم من أن «القاعدة» في سورية اكتسب خبرات قتالية فريدة وجمع أعداداً كبيرة من المقاتلين المحليين واستقطب قيادة «القاعدة» المتفرّقة في أرجاء العالم تحت عباءة واحدة في بلاد الشام، وعلى الرغم من احتمال نزوح أعداد من داعش وهجرتهم الى «القاعدة»، إلا أن التنظيمات الجهادية لن يكون لها مكان في سورية (والعراق) ولن تستطيع احتلال الأرض بل ستتجه الى العمل السري والعمليات التخريبية من دون هدف إستراتيجي بل العودة الى المربّع الأول حيث ستصبح «القاعدة» - كما «داعش» - مطارَدة.

الثورة السورية

خسرت الثورة السورية انطلاقتها واندفاعها منذ اليوم الأول الذي حطّت التنظيمات الجهادية المتطرّفة أرض الشام وخطفتْ روح الثورة التي نادت بالتغيير والديموقراطية وأجبرتْ مدناً أساسية في سورية - مثل حلب المدينة الصناعية وعصب الاقتصاد السوري - على الدخول في الحرب بعد أكثر من سنة من اندلاع الشرارة الأولى. وهكذا لم يعد هناك أي وفد سوري - سوري (سوى وفد دمشق) للمفاوضات بل تعدّدت الولاءات والتسميات والمرجعيات.

أما على الصعيد العسكري، فإن سيطرة الجهاديين المتطرّفين على شمال سورية أجبرتْ التنظيمات المعتدلة والمتشدّدة على الاندماج ببعضها البعض تحت لواء تنظيم «أحرار الشام» الذي يتحضّر لمواجهة تنظيم القاعدة مدعوماً من تركيا عندما يحين وقت وقف الحرب في سورية.

تركيا

لم تعلم تركيا أنها هي التي غيّرت مجرى الحرب السوريّة بالكامل حين أسقطتْ طائرة روسية العام 2015 على الحدود مع سورية. فهي التي دفعت بموسكو بقوّة الى الحرب السورية التي لم ترد التوغل فيها كما هي الحال اليوم. وبإسقاط الطائرة الروسية، تسبّبتْ تركيا بانتصار الجيش السوري على أكثر من موقع وبوصوله الى ما هو عليه اليوم، لأنها دفعت روسيا لأن تتّخذ موقفاً أكثر عدائيةً تجاه تركيا والدول التي أرادتْ إزاحة الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة.

وبسبب إسقاط الطائرة أُجبرتْ روسيا على دفع أساطيلها الى سورية بعدما كانت ستكتفي بطرطوس واللاذقية ومحيطٍ آمنٍ لقواعدها البحرية وفرْض وقف إطلاق نار شامل من دون إعطاء الغلبة للأسد. وهكذا أرادتْ روسيا أن تدافع عن سمعتها كدولة عظمى فقلبت الطاولة على الجميع وغطّت الجغرافيا السورية كلها.

أما تركيا، فقد ربحتْ موقعَ قدمٍ في سورية واستطاعت دخول البلاد بقوّاتها العسكرية بعد فشل التنظيمات التابعة لها في احتلال الأرض في الشمال. وتحتلّ تركيا أراضي سورية تبدأ من جرابلس الى مدينة الباب، وهي استطاعت منْع أكراد سورية من تحقيق حلمهم بإنشاء فيديرالية أو دويلة تحت اسم «روج آفا» بعدما قسمتها القوات التركية في النصف ومنعتْ التحام الحسكة بعفرين (أقسى الشمال الشرقي الى الشمال الغربي السوري). وتتحضّر أنقرة لدخول مدينة إدلب لتمنع «القاعدة» من التصادم مع التنظيمات السورية الموالية لتركيا وكذلك لتمنع روسيا وحلفاءها من ضرب إدلب، المدينة التي يقطنها اليوم أكثر من مليوني نسمة، ولا سيما بعد توقُّف القصف الروسي عليها وضمّها الى المدن التي يشملها وقف الأعمال القتالية.

أما الدور التركي فلم ينتهِ بعد: دمشق لن تقبل بتواجد القوات التركية الى ما لا نهاية حتى لو كان من المتوقّع ان يحصل تجميدٌ للحرب وبقاء كل القوى في موقعها الى سنوات طويلة مقبلة، وكذلك لن تقبل تركيا بتواجد دويلة كردية على حدودها. ولذلك فإن فصول التدخل التركي لم تنتهِ بعد.

روسيا

خرجتْ روسيا منتصرة على كل الأصعدة في بلاد الشام وبخسائر قليلة جداً لا تُذكر. فبعد أقل من سنتين من المشاركة الفعلية الجوية (وبقوات خاصة محدودة) وتغيير المعادلة لمصلحة الأسد، لم تخسر روسيا في سنتين ما خسرتْه الولايات المتحدة في شهر واحد خلال احتلالها للعراق بين عام 2003 الى 2011. واستطاعتْ روسيا إعادة المدن الرئيسية لحكومة دمشق وأهمّها حلب، وها هي تتوغل اليوم في البادية السورية لتسير على حافة التصادم مع القوات الأميركية، وها هي تفرض على واشنطن قواعد الاشتباك وتحذّرها من العمل غرب نهر الفرات ومن تَقدُّم قواتها الرديفة نحو الحدود العراقية لتحاصر القوات الأميركية في التنف وتمنعها من التدخل شمالاً. وها هي روسيا تفاوض للمجيء بقواتٍ فاصلة في الجنوب السوري (درعا) لتفرض نهاية الحرب هناك، وتبقى أراضٍ يسيطر عليها داعش في دير الزور والبادية وشرق حلب.

وها هي روسيا تدفع الى الامام بحلٍّ سياسي بالاتفاق مع الولايات المتحدة ودول أساسية لاعِبة على المسرح السوري للإتيان بقواتٍ متعدّدة توقف المعارك الى حين الانتهاء من الحرب. وستكون هذه القوات مسؤولةً عن وقف الأعمال القتالية والتأكد من عدم حصول اشتباكات، ليصار الى اتفاق لوقف إطلاق نارٍ دائم يضع حداً للحرب الدائرة منذ أكثر من 6 أعوام.

ومن المتوقّع ان تُوجِد موسكو توازناً بين مصالح الأطراف المتعددة: في الجنوب ستراعي روسيا المصالح الإسرائيلية بالموافقة على تَواجُد قواتٍ أميركية - أردنية في محيط مدينة درعا تضمن التواصل بين دمشق وعمان وتمنع تَواجُد قواتٍ معادية لاسرائيل والأردن هناك.

وتَقبل دمشق بتَواجُد قواتٍ روسية - إيرانية في العاصمة ومحيطها، كما ترضى تركيا بالبقاء في الشمال (جرابلس الى الباب) مع تَواجُد قواتٍ روسية في المحيط. وهكذا يصبح تَواجُد القوات الأميركية في الشمال الشرقي (من الحسكة حتى الرقة) أمراً واقعاً مع حلفائهم الأكراد.

وتبقى معضلة إدلب وتواجُد تنظيم «القاعدة» فيها، هو الذي سيرفض تماماً التعايش مع قواتٍ روسية، إلا انه يَقبل التواجد التركي (او الحرب عليه).

وهذا السيناريو يتماشى مع الأعمال العسكرية الهادفة للقضاء على «داعش» واستعادة كل الأراضي منه، ما يعطي الوقت الكافي للحكومة السورية لمعاودة بناء الدولة ومقوّماتها.

إذاً انتصرت روسيا في سورية وحصلتْ على قواعد ثابتة لخمسين سنة على البحر الأبيض المتوسط، وكذلك فرضتْ نفسها كلاعب أساسي في الشرق الأوسط وكصانع أسلحة متطوّرة عرضتْها باستخدامٍ حي في سورية، وكمفاوض سياسي يستطيع التفاوض في مسارين (مسار النار ومسار السياسة) متوازييْن في آن معاً.

والواقع ان روسيا لا تملك حلفاء في سورية بل شركاء ومصالح مشتركة سياسية واقتصادية. وتتمتّع موسكو بعلاقاتٍ طيّبة مع كل من اسرائيل والمملكة العربية السعودية وإيران وتركيا وهي لن تتخلى عن هؤلاء، ما يدفعها الى إنهاء الحرب وإزاحة شبح أفغانستان لتَخرج منتصرةً في سورية.

الولايات المتحدة

استطاعت أميركا العودة الى الشرق الأوسط من بوابة داعش وعنوان «القضاء على الإرهاب» لتستخدم القوات الكردية في الشمال السوري كمطية لها لتحقيق أهدافها الرامية الى انتشار قواعد عسكرية في بلاد الشام.

وها هي واشنطن تضرب الجيش السوري وحلفاءه وتَخرج عن عنوان محاربة الإرهاب لتصبح قوة محتلة لا حماية دولية لتواجدها ولعملها العسكري ضدّ أي قوة غير التنظيمات الإرهابية. وقد ضربت أميركا الجيش السوري في الـ 2016 في جبال ثردة حول مطار دير الزور ونفذت ثلاث ضربات على مفرق ظاظا عند اتجاه هؤلاء نحو الحدود العراقية.

ولم تتعرّض أميركا لأي خسائر بشرية تُذكر لغاية اليوم، لأن سياستها اختلفت عن تلك التي اتبعتها في العراق باستخدامها قوات أخرى (كردية) تقاتل عنها وتتقبّل الخسائر البشرية لتحقيق الهدف الأميركي في سورية.

واستطاعت أميركا استفزاز روسيا في مواقع عدة من دون أن تثير غضبها لدرجة حصول ردة فعل تتسبّب بأخذ الأمور الى مرحلة خطِرة بين الدولتين العظمييْن.

إلا أن أميركا لم تستطع منْع تَمدُّد النفوذ الإيراني الى مستوى غير مسبوق في بلاد الشام (والعراق)، بحيث اقتربت القوات الحليفة لإيران في جبهات عدة من القوات التي تستخدمها أميركا في المعارك ضد «داعش».

إيران

خرجتْ إيران لغاية اليوم بموقعٍ متقدّم داخل الشرق الأوسط ليتمدد نفوذها الى بلاد ما بين النهرين وبلاد الشام. وأحضرت إيران قوات بالآلاف من الأفغان والباكستانيين وقوات حليفة أخرى عراقية وغيرها الى سورية لتدافع عن حليفها في محور المقاومة (سورية، إيران وحزب الله) وكذلك عن خطّ الإمداد لحزب الله في لبنان والذي يمرّ عبر دمشق.

إلا أنها أنفقتْ أكثر من 25 مليار دولار في سورية لتدعم النفط والرواتب للمؤسسات المدنية والعسكرية، وأحضرت ترسانتها العسكرية لمنْع سقوط الأسد بأي ثمن، ونجحتْ في ذلك الى يومنا هذا.

وكسرتْ إيران الخطوط الحمر التي وضعتْها أميركا حول معبر التنف، وأدّت تجربة «داعش» الفاشلة الى تعاظُم النفوذ الإيراني لأن الأسباب التي أدت الى بروز «داعش» لم تعد كما كانت عليه قبل العام 2003. واستحدثت إيران موقعَ قدمٍ لقواتٍ سورية رديفة على غرار «حزب الله» اللبناني، وأصبحت طهران لاعباً أساسياً ولا سيما بعد استحضار روسيا الى سورية في منتصف العام 2015 لتغيير المسار العسكري.

وكذلك دخلتْ إيران بالعملية السياسية لتصبح جزءاً منها وتؤمن موقعاً لها على طاولة المفاوضات. ومن الواضح أن انتصار إيران على خصوم الأسد في بلاد الشام أكسبها عداوة دول عدة لتصبح العدو الرقم واحد المطلوب اقصاؤه أو إبعاده، إلا أن السبيل الى ذلك لم يعد متوفراً وخصوصاً بعدما حاولت واشنطن لسنوات طويلة تقويض إيران من دون النجاح في ذلك.

«حزب الله»

اكتسب «حزب الله» اللبناني خبرةً فريدة لا يحصل عليها أي جيش في العالم بقتاله في سورية ضد أعداء متعددي الأسلوب والعقيدة القتالية. وعند أول معركة له، استطاع الحزب (معركة القصير) الانتصار واستعادة المدينة بثمن غالٍ جداً (أكثر من 120 قتيلاً خلال أيام قليلة) لأن قيادته العسكرية كانت مستعجلة لتحقيق نصر سريع من دون الالتفات الى الخسائر. أما اليوم، وبعد أكثر من 900 قتيل (حسب مصدر مسؤول) و8000 جريح، أصبح «حزب الله» يعمل في غرف عمليات مشتركة، ينسّق بين سلاح الجو والبر والوحدات الخاصة والمدفعية، ويناور في مساحة جغرافية تمثّل أضعاف أضعاف مساحة لبنان الجغرافية.

وها هو «حزب الله» يتحرك ضمن جيش كبير ويحرّك الألوية العسكرية التابعة للجيش السوري ويرسل خبراء وقادة وفرقاً خاصة ضمن كل لواء من دون أن يشارك وحده ويتفرّد بالربح والخسارة. وأصبح الجيش السوري مطعّماً بـ «حزب الله» في كل فروعه، فيما اسرائيل تراقب تَعاظُم قدراته وخبراته من دون أن تستطيع أن تفعل أي شيء.

وأصبح «حزب الله» يتدرّب على مجسمات للمدن والقرى الإسرائيلية التي أنشأها في سورية ليتحضّر لأيّ حربٍ مستقبلية تُفرض عليه، وهو بنى المخابئ لصواريخه في الجبال والمغاور وكذلك في صومعات تحت الأرض ليُبعِد ردات الفعل عن المدن اللبنانية وتنحصر المعركة الصاروخية في مناطق غير مأهولة بالنسبة للحزب وعلى العكس بالنسبة لإسرائيل.

وزجّ «حزب الله» بأكثر من 20 ألف من مقاتليه في سورية لكُبر المساحة الجغرافية التي يتواجد عليها، واستطاع التنسيق بين الدعم اللوجستي والطبي والعسكري لعدد هائل من المقاتلين يعملون على أرض المعركة وفي مناطق متباعدة وشاسعة، مما أكسبه خبرات تنسيقية عسكرية لم يكن ليحلم بها. واستطاع الدفاع عن حليفه الأسد وحماية المناطق الرئيسية حتى قبل التدخل الروسي العام 2015.

لقد دفع «حزب الله» ثمن حماية لبنان من «داعش» بتدخله في سورية، ودَفَع ثمن حماية بيئته الحاضنة بإبعاد الحرب عنهم مباشرة وفي عقر دارهم. إلا أن ميزان الربح والخسارة - بالنسبة لـ «حزب الله» - يقاس وفق معايير الخطر الأكبر بكثير الذي كان سيشكّله «داعش» لو انتصر على الأسد أو انتصرتْ «القاعدة» في سورية.

وقد شكّل تدخل «حزب الله» في سورية عامل ردع حقيقياً على جبهة المواجهة مع إسرائيل بعدما أظهر الحزب انتصاره بغالبية المعارك التي خاضها، وأظهر الكثير من قدراته العسكرية ولا سيما وحدات النخبة (الرضوان) التي خاضت أكثر المعارك صعوبة وشراسة في سورية.

إن ميزان الربح والخسارة في سورية بالنسبة الى أفرقاء عدة واضح ولا لبس فيه. كما هو واضح أيضاً أن الحرب توشك على أن تضع أوزارها وأنها فقط مسألة وقت لإنهاء «داعش» عسكرياً والجلوس الى طاولة المفاوضات حيث تنشط - أثناء الأعمال العسكرية - الديبلوماسية الخشنة والناعمة في آن واحد.

لم تعد الإيديولوجيا التي دفعت «داعش» لاحتلال العراق وسورية خافية، كذلك لم تعد الأسباب التي ساعدتْ في ظهور «داعش» هي نفسها اليوم. لقد تغيّر الشرق الأوسط، ولكنه لا يتجه نحو الأفضل لأن الصراع بين الدول لا يزال على حاله. وها هي الحرب في سورية تقترب من النهاية، إلا أنها تترك وراءها دولة مدمّرة وشعباً تَشتّت وشرق أوسطيين متفرّقين، وصراعاً على النفوذ أصبح أقوى من ذي قبل ولا يبشّر بخير للمنطقة إذا بقي على حاله.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي